كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)
"""""" صفحة رقم 315 """"""
قال : ولما بايعوه أرسل إلى أهل الكوفة مع عمرو بن مسمع وسعد بن قرحا التيمي يدعوهم إلى البيعة له ، ويعلمهم ما صنع أهل البصرة ، فلما وصلا إلى الكوفة وكان خليفة عبيد الله عليها عمرو بن حريث ، فجمع الناس ، وقام الرسولان فخطبا وذكرا ذلك للناس ، فقام يزيد بن الحارث بن يزيد الشيباني وهو ابن رويم ، فقال الحمد لله الذي أراحنا من ابن سمية ، أنحن نبايعه ؟ لا ولا كرامة .
وحصبهما الناس بعده ، فشرفت هذه المقالة يزيد بن رويم بالكوفة ورفعته ، ورجع الرسولان إلى عبيد الله ، فقال أهل البصرة : أيخلعه أهل الكوفة ونوليه نحن ؟ فضعف سلطانه عندهم ، فكان يأمر بالأمر فلا يقضى ويرى الرأي فيرد عليه ، ويأمر بحبس المخطئ فيحال بين أعوانه وبينه .
ثم جاء البصرة سلمة بن ذؤيب الحنظلي التميمي ، فوقف في السوق وبيده لواء ، وقال : أيها الناس ، هلموا إلي ، إني أدعوكم إلى ما لم يدعكم إليه أحد ، أدعوكم إلى العائذ بالحرم ، يعني عبد الله بن الزبير .
فاجتمع إليه ناس ، وجعلوا يبايعونه ، فبلغ الخبر ابن زياد ، فجمع الناس فخطبهم وذكرهم بما كان من بيعته وقال : إني بلغني أنكم مسحتم أكفكم بالحيطان وباب المسجد ، وقلتم ما قلتم ، وإني آمر بالأمر فلا ينفذ ، ويرد على رأيي ، ويحال بين أعواني وبين طلبتي ، ثم هذا سلمة بن ذؤيب يدعوكم إلى الخلاف عليكم ، ليفرق جماعتكم ، ويضرب بعضكم رقاب بعض " .
فقال الأحنف والناس : نحن نأتيك بسلمة ، فأتوه ، فإذا جمعه قد كثف والفتق قد اتسع ، فقعدوا عن ابن زياد فلم يأتوه ، فلما رأى ذلك أرسل إلى الحارث بن قيس بن صهبان الجهضمي الأزدي ، فأحضره وسأله الهرب به ، فقال : يا حارث إن أبي أوصاني إن احتجت إلى الحرب يوماً ما أن أختاركم ، فقال الحارث قد اختبرنا أباك فلم نجد عنده ولا عندك مكافأة ، وما أدري كيف أتأتى لك إن أخرجتك نهاراً أخاف أن تقتل أو أقتل ، ولكني أقيم معك إلى الليل ، ثم أردفك خلفي لئلا نعرف ، فقال عبيد الله ، نعم ما رأيت ، فأقام عنده ، فلما كان الليل حمله خلفه ، وكان في بيت المال تسعة عشر ألف ففرق ابن زياد بعضها في مواليه ، وادخر الباقي لآل زياد .
قال : وسار الحارث بعبيد الله ، فكان يمر به على الناس وهم يتحارسون مخافة الحرورية ، حتى انتهوا إلى بني ناجية ، فقال بنو ناجية : من أنت ؟ قال : الحارث بن قيس .
وعرف رجل منهم عبيد الله ، فقال : ابن مرجانة وأرسل سهماً فوقع في عمامته