كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 316 """"""
ومضى به الحارث حتى أنزله في داره بالجهاضم ، فقال له ابن زياد : " يا حارث ، إنك قد أحسنت ، فاصنع ما أشير به عليك ، قد علمت منزلة مسعود بن عمرو ، وشرفه وسنه ، وطاعة قومه له ، فهل لك أن تذهب بي إليه فأكون في داره ، فهي وسط الأزد ؟ فإنك إن لم تفعل فرق عليك أمر قومك ، فأخذه الحارث فدخلا على مسعود فلم يشعر حتى رآهما ، فقال للحارث : أعوذ بالله من شر ما طرقتني به ، قال : ما طرقتك إلا بخير ، ولم يزل الحارث يلطف بمسعود في أمره حتى قال له : أتخرجه من بيتك بعد ما دخله عليك ؟ فأمره مسعود فدخل بيت أخيه عبد الغافر بن عمرو ، ثم ركب مسعود من ليلته ومعه الحارث وجماعة من قومه ، فطافوا بالأزد فقالوا : إن ابن زياد قد فقد ، وإنا لا نأمن أن تلطخوا به ، فأصبحوا في السلاح ، وفقد الناس ابن زياد فقالوا : ما هو إلا في الأزد .
وقيل : إن الحارث لم يكلم مسعودا ، بل أمر عبيد الله فحمل معه مائة ألف درهم وأتى بها أم بسطام امرأة مسعود وهي بنت عم الحارث ومعه عبيد الله ، فاستأذن عليها ، فأذنت له .
فقال : قد اتيتك بأمر تسودين به نساء العرب ، وتتعجلين به الغنى ، فأخبرها الخبر وأمرها أن تدخل ابن زياد البيت ، وتلبسه ثوباً من ثياب مسعود ، ففعلت ، فلما جاء مسعود أخذ برأسها يضربها ، فخرج عبيد الله والحارث عليه ، وقال ، لقد أجارتني وهذا ثوبك علي ، وطعامك في بطني ، وشهد الحارث ، وتلطفوا به حتى رضي .
فلم يزل ابن زياد في بيته حتى قتل مسعود ، فسار إلى الشام على ما نذكره إن شاء الله .
قال : ولما فقد ابن زياد بقي أهل البصرة بغير أمير ، فاختلفوا فيمن يؤمرونه عليهم ، ثم تراضوا بقيس بن الهيثم السلمي ، وبنعمان بن سفيان ليختارا من يرتضيان لهم ، وكان رأي قيس في بني أمية ، ورأي النعمان في بني هاشم ، فقال النعمان : ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من فلان ، لرجل من بني أمية . وقيل بل ذكر عبد الله بن الأسود الزهري ، وكان هوى قيس فيه ، وإنما قال النعمان ذلك خديعة ومكراً بقيس ، فقال قيس : قد قلدتك أمري ورضيت من رضيت ، ثم جاء إلى الناس فقال قيس بن الهيثم : قد رضيت من رضى النعمان .
ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة
قال : ولما اتفق قيس والنعمان ، ورضي قيس بمن يؤمره النعمان ، أشهد عليه النعمان بذلك ، وأخذ على قيس وعلى الناس العهود بالرضا .

الصفحة 316