كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 324 """"""
أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهي ذات النطاقين ، وهو أول مولود ولد بالمدينة من المسلمين بعد الهجرة .
وكان ابتداء أمره في البيعة له ما قدمناه ؛ من خروجه من المدينة لما توفي معاوية بن أبي سفيان ، ووصوله إلى مكة ، وأنه أقام بالبيت وقال : أنا العائد بهذا البيت .
فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في سنة إحدى وستين كما ذكرنا ، قامعبد الله في الناس فعظم قتله ، وعاب أهل العراق عامة ، وأهل الكوفة خاصة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وصلى على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال : إن أهل العراق غدر فجر إلا قليلا ، وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق ، وإنهم دعوا حسيناً لينصروه ويولوه عليهم ، فلما قدم عليهم ثاروا عليه ، فقالوا له : إما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سمية فيمضي فيك حكمه ، وإما أن تحارب ، فرأى والله أنه هو وأصحابه قليل في كثير ، وإن كان الله لم يطلع على الغيب أحداً أنه مقتول ، ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ، فرحم الله حسيناً ، وأخزى قاتله . لعمري لقد كان من خلافهم إياه ، وعصيانهم ، ما كان في مثله واعظ وناه عنهم ، ولكنه قدر نازل ، وإذا أراد الله أمراً لم يدفع ، أفبعد الحسين يطمأن إلى هؤلاء القوم ، ويصدق قولهم ، ويقبل لهم عهد ؟ لا والله لا نراهم لذلك أهلاً ، أم والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه ، كثيراً في النهار صيامه ، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل أم الله ما كان يبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد - يعرض بيزيد - " فسوف يلقون غياً " .
فثار إليه أصحابه ، وقالوا : أظهر بيعتك ، فإنه لم يبق أحد إذ هلك الحسين ينازعك هذا الأمر ، وقد كان عبد الله قبل ذلك يبايع سراً ، فقال لهم : لا تعجلوا ، هذا وعمرو بن سعيد عامل مكة ، وهو أشد شئ على عبد الله بن الزبير ، وهو مع ذلك يداري ويرفق .
فلما استقر عند يزيد ما قد جمع ابن الزبير من الجموع بمكة أعطى الله عهداً ليوثقنه في سلسلة ، فبعث إليه سلسلة من فضة مع ابن عضادة الأشعري ومسعدة وأصحابهما ليأتوه به فيها ، وبعث معهم برنس خز ليلبسه عليها لئلا تظهر للناس .

الصفحة 324