كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 327 """"""
وكان سبب قدومهم عليه أنه لما اشتد عليهم عبيد الله بن زياد بعد قتل أبي بلال ، اجتمعوا وتذاكروا فأشار عليهم نافع بن الأزرق أن يلحقوا بابن الزبير ، وقال : إن كان على رأينا جاهدنا معه ، وإن كان على غير رأينا دافعنا عن البيت ، فلما قدموا عليه سر بمقدمهم وأخبرهم أنه على مثل رأيهم من غير استفسار ، فقاتلوا معه أهل الشام ، ثم اجتمعوا بعد وفاة يزيد وقالوا : إن الذي صنعتم بالأمس لغير رأي ، تقاتلون مع رجل لا تدرون ، لعله ليس على مثل رأيكم ، وقد كان أمس يقاتلكم هو وأبوه ، وينادي : يا ثارات عثمان فاجتمعوا إليه فسألوه عن عثمان ، فنظر فإذا أصحابه حوله قليل فقال : إنكم أتيتموني حين أردت القيام ، ولكن ائتوني عشية النهار حتى أعلمكم ، فانصرفوا .
وبعث ابن الزبير إلى أصحابه ، فاجتمعوا عنده بأيديهم العهد . فقال ابن الأزرق : إن الرجل قد أزمع خلافكم ، فتقدم إليه نافع بن الأزرق وعبيدة بن هلال ، فقال عبيدة : بعد أن حمد الله وأثنى عليه ، وذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنه عمل بكتاب الله حتى قبضه الله ، واستخلف الناس أبا بكر ، واستخلف أبو بكر عمر ، فكلاهما عمل بكتاب الله وسنة رسوله ، ثم إن الناس استخلفوا عثمان ، ونقصه ، وقبح أفعاله ، وتبرأ منه ، ووالى قتله ، ثم قال : فما تقول أنت يا ابن الزبير ؟ فحمد ابن الزبير الله وأثنى عليه ، ثم قال : قد فهمت الذي ذكرت به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهو فوق ما ذكرت ، وفوق ما وصفت ، وفهمت الذي ذكرت به أبا بكر وعمر وقد وفقت وأصبت ، وفهمت الذي ذكرت به عثمان ، وإني لا أعلم مكان أحد من خلق الله اليوم أعلم بابن عفان وأمره مني ، كنت معه حيث نقم القوم عليه واستعتبوه فلم يدع شيئاً إلا أعتبهم منه ، ثم رجعوا إليه بكتاب له يزعمون أنه كتبه يأمر فيه بقتلهم ، فقال لهم : ما كتبته ، فإن شئتم فهاتوا بينتكم ، فإن لم تكن حلفت لكم . فوالله ما جاءوه ببينة ، ولا استحلفوه ، ووثبوا عليه فقتلوه ، وقد سمعت ما عبته فيه ، فليس كذلك ، بل هو لكل خير أهل ، وأنا أشهدكم ومن حضرني أني ولي لابن عفان ، وعدو أعدائه ، قالوا : فبرئ الله منك ، قال : بل برئ الله منكم .
وتفرق القوم ، فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي ، وعبد الله بن صفار السعدي ، وعبد الله بن إباض ، وحنظلة بن بيهس ، وبنو الماحوز ، عبد الله وعبيد الله والزبير من

الصفحة 327