كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 336 """"""
مثل ذلك ، فقال سليمان قد محضتما النصيحة واجتهدتما في المشورة فنحن بالله وله ، ونسأله العزيمة على الرشد ، ولا نرانا إلا سائرين ، فقال عبد الله : فأقيموا حتى نعبئ معكم جيشاً كثيراً ، فتلقوا عدوكم بجمع كثيف ، وكان قد بلغهم إقبال عبيد الله بن زياد من الشام في الجنود .
فلم يقم سليمان ، وسار عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين ، فتخلف عنه ناس كثير ، فقال ما أحب من تخلف منكم معكم ولو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً إن الله كره انبعاثهم فثبطهم وخصكم بفضل ذلك .
ثم ساروا فانتهوا إلى قبر الحسين ، فصاحوا صيحة واحدة ، وبكوا بكاء شديداً ، وترحموا عليه ، وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه ، وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرعون .
ثم ساروا وقد ازدادوا حنقاً ، وأخذوا صوب الأنبار ، وساروا حتى أتوا قرقسيا على تعبئة ، وبها زفر بن الحارث الكلابي قد تحصن بها عند فراره من وقعة مرج راهط ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى في أخبار مروان بن الحكم .
فبعث إليه سليمان ، وعرفه ما هو وأصحابه عليه من قصد ابن زياد ، فبعث إليهم بجزور ودقيق وعلف ، وخرج إليهم وشيعهم وعرض عليهم أن يقيموا عنده بقرقيسيا ، وقال : ابن زياد في عدد كثير ، فأبوا المقام ، وساروا مجدين ، وقال لهم زفران إن ابن زياد قد بعث خمسة أمراء من الرقة فيهم الحصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع وأدهم بن محرز وجبلة بن عبيد الله الخثعمي ، فأبوا إلا المسير .
فانتهوا إلى عين الوردة ، فنزلوا غربيها ، وأقاموا خمساً ، واستراحوا وأراحوا .
وأقبل أهل الشام في عساكرهم ، حتى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم وليلة ، فقام سليمان في أصحابه فخطبهم وحرضهم على القتال وذكرهم الآخرة ثم قال : إن أنا قتلت فأمير الناس المسيب ابن نجبة ، فإن قتل فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل ، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وأل ، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شداد ، رحم الله امرأ صدق ما عاهد الله عليه .

الصفحة 336