كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 338 """"""
الحصين بسهم فوقع ثم وثب ثم وقع ، ومات وهو ابن ثلاث وتسعين سنة ، وكانوا قد سموه " أمير التوابين " .
فأخذ الراية المسيب بن نجبة ، وترحم على سليمان ، فتقدم فقاتل حتى قتل بعد أن قتل رجالاً كثيراً .
فأخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل ، وترحم عليهما ، وقرأ " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " وحف به من كان منهم معه من الأزد ، فبيناهم في القتال إذ أتاهم فرسان ثلاثة من سعد بن حذيفة ، يخبرون بمسيره في سبعين ومائة من أهل المدائن ، ويخبرون بمسير أهل البصرة مع المثنى بن مخرمة العبدي في ثلاثمائة ، فقال عبد الله بن سعد : لو جاءونا ونحن أحياء ؟ وقاتل حتى قتل ، قتله ابن أخي ربيعة بن مخارق ، وحمل خالد بن سعد بن نفيل على قاتل أخيه يطعنه بالسيف ، فخلصه أصحابه ، وقتل خالد بن سعد .
فجيء بالراية إلى عبد الله بن وأل ، وقد اصطلى الحرب في عصابة معه ، فأخذها ، وقاتل ملياً ، وذلك وقت العصر ، ومازال يقاتل حتى قتل هو وأصحابه رجالاً ، ثم إن أهل الشام تعطفوا عليهم من كل جانب ، فلما كان عند المساء تولى قتالهم أدهم بن محرز الباهلي ، فحمل في خيله ورجله حتى وصل إلى ابن وأل وهو يتلو " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياء عند ربهم يرزقون " الآيات ، فغاظ ذلك أدهم ، فحمل عليه وضربه فأبان يده ثم تنحى عنه ، وقال : إني أظنك وددت أنك عند أهلك ، قال ابن وأل بئس ما ظننت ، والله ما أحب أن يدك مكانها إلا أن يكون لي من الأجر مثل ما في يدي ، ليعظم وزرك وأجري ، فغاظه ذلك فحمل عليه فطعنه فقتله وهو مقبل ما زال عن مكانه ، وكان ابن وأل من الفقهاء العباد . فلما قتل أتوا رفاعة بن شداد البجلي وقالوا خذ الراية ، فقال : ارجعوا بنا لعل الله يجمعنا ليوم شر لهم ، فقال عبد الله بن عوف ابن الأحمر : هلكنا والله لئن انصرفت ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخاً حتى نهلك عن آخرنا ، وإن نجا منا ناج أخذته الأعراب فتقربوا به إليهم فيقتل صبراً هذه الشمس قد قاربت الغروب فنقاتلهم على خيلنا ، فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أول الليل ، وسرنا حتى نصبح ونسير على مهل ، يحمل الرجل صاحبه وحريمه ونعرف الوجه الذي نأخذه .

الصفحة 338