كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 37 """"""
في الحرب خير من الشدة فقالا : " إنا وهم مسلمون ، إن هذا أمر لم يكن قبل اليوم فينزل فيه قرآن أو تكون فيه سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقد زعم قوم أنه لا يجوز تحريكه اليوم ، وهم علي ومن معه ، وقلنا نحن : لا ينبغي لنا أن نتركه اليوم ولا نؤخره ، وقد قال علي : ترك هؤلاء القوم شر وهو خير من شر منه ، وقد كاد يبين لنا ، وقد جاءت الأحكام بين المسلمين بإيثار أعمها منفعةً .
وقال كعب بن سور : يا قوم اقطعوا هذا العنق من هؤلاء القوم . فأجاباه بنحو ما تقدم . قال : ولما نزل علي ونزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرحوم العبدي أن اخرج فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي ، فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل ، فعدلوا إلى عسكر علي ، فقال الناس من كان هؤلاء معه غلب . وأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال ، إنما يرسل علي إليهم يكلمهم ويدعوهم .
قال : وقام علي فخطب الناس ، فقام إليه الأعور بن بنان المنقري فسأله عن إقدامهم على أهل البصرة ، فقال له علي : على الإصلاح وإطفاء النار لعل الله يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم . قال : فإن لم يجيبوا . قال : تركناهم ما تركونا . وقال : فإن لم يتركونا . قال : دفعناهم عن أنفسنا . قال : فهل لهم في هذا مثل الذي عليهم ؟ قال : نعم .
وقام إليه أبو سلام الدالاني فقال : أترى لهؤلاء القوم حجةً فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله بذلك ؟ قال : نعم . قال : فترى لك حجةً بتأخيرك ذلك ؟ قال : نعم ، إن الشيء إذا كان لا يدرك فالحكم فيه أحوط وأعمه نفعا . قال : فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا ؟ قال : إني لأرجو ألا يقتل منا ومنهم أحد نقى قلبه لله إلا أدخله الله الجنة . . وقال في خطبته : " أيها الناس املكوا أنفسكم ، وكفوا عن هؤلاء القوم أيديكم وألسنتكم ، وإياكم أن تسبقونا ، فإن المخصوم غدا من خصم اليوم " .
وبعث إليهم حكيم بن سلام ومالك بن حبيب ، يقول : إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الأمر .

الصفحة 37