كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 38 """"""
وخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين ، قد منعوا حرقوص بن زهير وهم معتزلون .
وكان الأحنف قد بايع علياً بالمدينة بعد قتل عثمان ، لأنه كان قد عاد من الحج فبايع ، فلما قدم طلحة والزبير اعتزل بالجلحاء ومعه زهاء ستة آلاف والجلحاء من البصرة على فرسخين فقال لعلي : إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظفرت عليهم غدا قتلت رجالهم وسبيت نساءهم قال : " ما مثلي يخاف هذا منه وهل يحل هذا إلا لمن تولى وكفر ؟ وهم قوم مسلمون . " قال : اختر مني واحدةً من اثنتين : إما أن أقاتل معك ، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف .
قال : اكفف عنا عشرة آلاف سيف . فرجع إلى الناس ، فدلهم إلى القعود ، ونادى : " يا آل خندف " ، فأجابه ناس ، ثم نادى : " يا آل تميم " فأجابه ناس ، ثم نادى : " يا آل سعد " ، فلم يبق سعدي إلا أجابه ، فاعتزل بهم ، ونظر ما يصنع الناس ، فلما كان القتال وظفر علي دخلوا فيما دخل فيه الناس وافرين .
قال : ولما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس وعليه سلاح ، فقيل لعلي : هذا الزبير فقال : أما إنه أحرى الرجلين إن ذكر بالله أن يذكر وخرج طلحة ، فخرج إليهما علي ، فدنا منهما حتى ، اختلفت أعناق دوابهم ، فقال لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ، إن كنتما أعددتما عذرا عند الله فاتقيا الله ، ولا تكونا " كالتي نقضت عزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً " ، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما ؟ فهل من حدثٍ أحل آدمي ؟ فقال طلحة : اللبث على دم عثمان . فقال علي رضي الله عنه : " يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق " يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان يا طلحة ، أتيت بعرس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت أما بايعتني ؟ قال : بايعتك والسيف على عنقي . ثم قال للزبير : ما أخرجك ؟ قال أنت ، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً ولا أولى به منا . فذكره علي رضي الله عنه بأشياء ، ثم قال : أتذكر يوم مررت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بني غنم ، فنظر إلي ، فضحك وضحكت إليه ، فقلت : لا يدعو ابن أبي طالب زهوه فقال لك رسول الله عليه الصلاة والسلام : " إنك لتقاتله وأنت ظالم له " ؟ فقال : اللهم نعم ولقد كنت أنسيتها ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، والله لا أقاتلك أبدا .

الصفحة 38