كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 41 """"""
إلى بعض لا يذكرون إلا الصلح ووضع الحرب ، فافترقوا على ذلك .
وبعث علي رضي الله عنه من العشي عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير ، وبعثا إليه محمد بن طلحة ، وأرسل علي وطلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهم بأمر الصلح ، فباتوا بليلةٍ لم يبيتوا بمثلها للعافية التي أشرفوا عليها والصلح ، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة ، وباتوا يتشاورون ، فاجتمعوا على إنشاب الحرب ، فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم أحد ، فخرجوا متسللين ، فقصد مضرهم إلى مضرهم ، وربيعتهم إلى ربيعتهم ، ويمنهم إلى يمنهم ، فوضعوا فيهم السلاح ، فثار أهل البصرة ، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين أتوهم ، وذلك في يوم الخميس لعشرٍ خلون من جمادى الآخرة . قال : وبعث طلحة والزبير إلى الميمنة وهم ربيعة أميرا عليها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وإلى الميسرة عبد الرحمن بن عتاب ، وثبتا في القلب ، وقالا : ما هذا ؟ قالوا : طرقنا أهل الكوفة ليلاً قالا وقد علمنا أن علياً غير منتهٍ حتى يسفك الدماء وأنه لن يطاوعنا فرد أهل البصرة أولئك الكوفيين إلى عسكرهم ، فسمع علي وأهل الكوفة الصوت - وقد وضع السبيئة رجلاً قريباً منه - فلما قال عليٌ ما هذا قال ذلك الرجل : ما شعرنا إلا وقومٌ منهم قد بيتونا فرددناهم فوجدنا القوم على رجل ، فركبوا ، وثار الناس ، فأرسل علي صاحب الميمنة إلى الميمنة ، وصاحب الميسرة إلى الميسرة ، وقال : لقد علمت أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء وأنهما لن يطاوعانا . والسبيئة لا تفتر ، ونادى علي في الناس : كفوا فلا شيء . وكان من رأيهم جميعاً في تلك الفتنة ألا يقتتلوا حتى يبدءوا يطلبون بذلك الحجة وألا يقتلوا مدبراً ، ولا يجهزوا على جريح ، ولا يستحلوا سلبا ، ولا يرزءوا بالبصرة سلاحا ولا ثيابا ولا متاعا . وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال : " يا أم المؤمنين ، أدركي الناس ، فقد أبى القوم إلا القتال ، لعل الله يصلح بك " . فركبت وألبسوا هودجها الأدراع ، فلما برزت من البيوت وهي على الجمل وكانت بحيث تسمع الغوغاء وقفت ، واقتتل الناس وقاتل الزبير ، فحمل عليه عمار بن ياسر ، فجعل يحوزه بالرمح والزبير كافٌ عنه ،

الصفحة 41