كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 43 """"""
فقام رجل من عبد القيس من أصحاب عليٍ فقال : ندعوكم إلى كتاب الله : فقالوا : كيف يدعونا إليه من لا يستقيم ولا يقيم حدود الله ؟ وقد قتل كعب بن سور داعي الله ورمته ربيعة رشقاً واحداً فقتلوه ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم ، وأبى أهل الكوفة إلا القتال ، ولم يريدوا إلا عائشة ، فذكرت أصحابها ، فاقتتلوا ، حتى تنادوا فتحاجزوا ، ثم رجعوا فاقتتلوا ، وتزاحف الناس ، فظهرت يمن البصرة على يمن الكوفة فهزمتهم وربيعة البصرة على ربيعة الكوفة فهزمتهم ، ثم عاد يمن الكوفة فقتل على رايتهم عشرة : خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن ، فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها فثبتت في يده . ورجعت ربيعة الكوفة فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فقتل على رايتهم وهم في الميسرة زيد وعبد الله بن رقبة وأبو عبيدة ابن راشد بن سلمى وهو يقول : " اللهم أنت هديتنا من الضلالة ، واستنقذتنا من الجهالة ، وابتليتنا بالفتنة ، فكنا في شبهة وعلى ريبة " حتى قتل . واشتد الأمر حتى لزقت ميمنة أهل الكوفة بقلبهم ، وميسرة أهل البصرة بقلبهم ، ومنعوا ميمنة أهل الكوفة أن يختلطوا بقلبهم وإن كانوا إلى جنبهم ، وفعل مثل ذلك ميسرة أهل الكوفة بميمنة أهل البصرة .
فلما رأى الشجعان من مضر الكوفة والبصرة الصبر تنادوا : طرفوا إذا فرغ الصبر .
فجعلوا يقصدون الأطراف الأيدي والأرجل فما رؤى وقعة كانت أعظم منها قبلها ولا بعدها ولا أكثر ذراعا مقطوعة ورجلا مقطوعة وأصيبت يد عبد الرحمن بن عتاب قبل قتله .
فنظرت عائشة عن يسارها ، فقال : من القوم عن يساري ؟ فقال صبرة بن شيمان : بنوك الأزد . قالت : يا آل غسان حافظوا اليوم فجلادكم الذي كنا نسمع به وتمثلت :
وجالد من غسّان أهل حفاظها . . . وهنبٌ وأوسٌ جالدت وشبيب
فكانت الأزد يأخذون بعر الجمل فيشمونه ويقولون : بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك .
وقال لمن عن يمينها : من القوم عن يميني ؟ قالوا بكر بن وائل .
قالت : لكم يقول القائل :
وجاءوا إلينا في الحديد كأنّهم . . . من العزّة القعساء بكر بن وائل

الصفحة 43