كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
إنما بإزائكم عبد القيس . فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك .
وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت : ويهاً جمرة الجمرات فلما رقوا خالطهم بنو عدي بن عبد مناه ، وكثروا حولها ، فقالت : من أنتم ؟ قالوا : بنو عدي خالصنا إخواننا ، فأقاموا رأس الجمل ، وضربوا ضرباً ليس بالتعذير ، ولا يعدلون بالتطريف ، حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكريين جميعاّ راموا الجمل ، وقالوا : لا يزول القوم أو يصرع الجمل .
وصارت مجنبتا علي إلى القلب ، وفعل ذلك أهل البصرة ، وكره القوم بعضهم بعضاً .
وأخذ عميرة ابن يثربي رأس الجمل ، وكان قاضي البصرة ، فقال علي : من يحمل على الجمل ؟ فانتدب له هند بن عمرو الجملي المرادي ، فاعترضه ابن يثرب ، فاختلفا ضربتين ، فقتله ابن يثربي ، وقتل سيحان ابن صوحان ، وارتث صعصعه ، فنادى عمار بن ياسر ابن يثربي : لقد عذت بحريز وما إليك من سبيل فإن كنت صادقاً فاخرج من هذه الكتيبة إلي .
فترك الزمام في يد رجل من بني عدي وخرج ، حتى إذا كان بين الصفين تقدم عمار ، وهو ابن تسعين سنة ، وقيل أكثر من ذلك ، وعليه فروٌ قد سد وسطه بحبلٍ من ليف ، وهو أضعف من بارزه ، فاسترجع الناس وقالوا : هذا لاحقٌ بأصحابه فضربه ابن يثربي ، فاتقاه عمار بدرقته ، فنشب سيفه فيها ، فعالجه فلم يخرج ، وأسف عمار لرجليه فضربه فقطعهما ، فوقع على استه وأخذ أسيراً ، فأتي به إلى علي ، فقال : استبقني فقال : أبعد ثلاثة تقتلهم ؟ وأمر به فقتل ، وقيل إن المقتول عمرو بن يثربي وإن عميرة بقي حتى ولي قضاء البصرة من قبل معاوية .

الصفحة 44