كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 50 """"""
قال : ولما خرج من عند عائشة قال له رجل من الأزد : والله لا تغلبنا هذه المرأة فغضب وقال : " مه لا تهتكن ستراً ، ولا تدخلن دارا ، ولا تهيجن امرأةً بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسفهن أمراءكم وصلحاءكم ، فإن النساء ضعيفات ، ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات ، فكيف إذا كن مسلمات ؟ " ومضى ، فلحقه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، قام رجلان على الباب فتناولا من هو أمض شتيمة لك من صفية . فقال : ويحك لعلها عائشة قال : نعم ، قال أحدهما : " جزيت عنا أمنا عقوقا " .
وقال الآخر : " يا أمتا توبي فقد خطيت " .
فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب ، فأقبل على من كان عليه ، فأحالوا على رجلين من أزد الكوفة ، وهما عجلان وسعد ابنا عبد الله فضربهما مائة سوط ، وأخرجهما من ثيابهما .
قال : وسألت عائشة رضي الله عنها عمن قتل من الناس معها وعليها ، فكلما نعي واحدٌ من الجميع قالت : رحمه الله فقيل لها كيف ذلك ؟ قالت : كذلك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلان في الجنة وفلان في الجنة .
ثم جهز علي رضي الله عنه عائشة بكل ما ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك ، وبعث معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام ، واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة المعروفات ، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم . فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه أتاها علي فوقف لها ، وحضر الناس ، فخرجت وودعوها وودعتهم وقالت : يا بني ، لا يعتب بعضنا على بعض ، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ، وإنه على معتبتي لمن الأخيار . فقال علي رضي الله عنه : صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك ، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة . وكان خروجها من البصرة يوم السبت غرة شهر رجب سنة ست وثلاثين ، وشيعها علي أميالا ، وسرح بنيه معها يوما . وتوجهت إلى مكة ، فأقامت إلى الحج ، فحجت ، ثم رجعت إلى المدينة .

الصفحة 50