كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 58 """"""
وروي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال : لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني ، فقمت إلى جنبه ، فقال : " يا بني ، إنه لا يقتل اليوم إلا ظالمٌ أو مظلوم ، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً ، وإن من أكبر همي لديني ، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئاً ؟ وقال : يا بني بع مالنا واقض ديني . وأوصى بالثلث وثلثه لبنيه يعني بني عبد الله بن الزبير يقول : الثلث إليك فإن فضل من مالنا فضلٌ بعد قضاء الدين فثلثه لولدك . قال هشامٌ وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير : خبيبٌ وعباد ، وله يومئذٍ تسعة بنين وتسع بنات . قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عن شيءٍ منه فاستعن عليه مولاي . قال : فوالله ما دريت ما أراد ، حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟ قال : الله تعالى . فوالله ما وقعت في كربةٍ من دينه إلا قلت : " يا مولى الزبير اقض عنه دينه " فيقضيه .
فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين منها الغابة وإحدى عشرة داراً بالمدينة ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة وداراً بمصر .
قال : وإنما كان دينه الذي عليه أ ، الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه ، فيقول الزبير رضي الله عنه لا ، ولكنه سلفٌ ، فإني أخشى عليه الضيعة .
وما ولي إمارةً قط ولا جباية خراج ولا شيئاً إلا أن يكون في غزوة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو مع أبي بكر أو عمر أو عثمان رضي الله عنهم . قال عبد الله بن الزبير : فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألفٍ ومائتي ألفٍ .
قال : فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال : يا ابن أخي كم على أخي من الدين ؟ فكتمه وقال : مائة ألف . فقال حكيمٌ : والله ما أرى أموالكم تسه لهذه . فقال له عبد الله : أفرأيتك إن كانت ألفي ألفٍ ومائتي ألفٍ ؟ قال : ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي .
قال : وكان الزبير رضي الله عنه اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألف ألفٍ وستمائة ألف ، ثم قام فقال : من كان له على الزبير حقٌ فليوافنا بالغابة . فأتاه عبد الله بن جعفر ، وكان له على الزبير أربعمائة ألف ، فقال لعبد الله : إن شئتم تركتها لكم . قال عبد الله : لا . قال : فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم .

الصفحة 58