كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 70 """"""
" إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون " .
ثم قال لأصحابه : لا يكن هؤلاء في الجد في ضلالهم أجد منكم في الجد في حقكم . قال : ولما انسلخ شهر الله المحرم وانقضت مدة الموادعة أمر علي رضي الله عنه مناديا فنادى : " يا أهل الشام ، يقول لكم أمير المؤمنين : قد استدمتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه ، فلم تنتهوا عن الطغيان ، ولم تجيبوا إلى الحق ، وإني قد نبذت إليكم على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين " .
قال : واجتمع أهل الشام إلى أمرائهم ورؤسائهم ، وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتبان الكتائب ويعبئان الناس ، وكذلك فعل علي رضي الله عنه .
وقال علي للناس : لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم ، فأنتم بحمد الله على حجة ، وترككم قتالهم حتى يبدءوكم حجة أخرى فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا داراً إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف القوى ، والأنفس .
وحرض أصحابه فقال رضي الله عنه : عباد الله ، اتقوا الله ، وغضوا الأبصار ، واخفضوا الأصوات ، وأقلوا الكلام ، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة والمزاولة والمناضلة والمعانقة والمكادمة والملازمة ، " فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " اللهم ألهمهم الصبر ، وأنزل عليهم النصر ، وأعظم لهم الأجر .

الصفحة 70