كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 75 """"""
قال : وحرض علي رضي الله عنه أصحابه ، فقال رضي الله عنه في كلام له : فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، وقدموا الدراع ، وأخروا الحاسر ، وعضوا على الأضراس ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام ، والتووا في أطراف الرماح ، فإنه أمور للأسنة ، وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش ، وأسكن للقلوب ، وأميتوا الأصوات ، فإنه أطرد للفشل ، وأولى بالوقار ، راياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم ، واستعينوا بالصدق والصبر ، فإن بعد الصبر ينزل النصر .
قال : وقام يزيد بن قيس الأرحبي يحرض الناس ، فقال : إن المسلم من سلم في دينه ورأيه ، وإن هؤلاء القوم والله ما يقاتلوننا إلا على هذه الدنيا ليكونوا جبارين فيها ملوكا ، فلو ظهروا عليكم - لا أراهم الله ظهوراً ولا سروراً - لرموكم بمثل سعيد والوليد وابن عامر السفيه الضال ، يجيز أحدهم بمثل ديته ودية أبيه وجده في مجلسه ، ثم يقول : " هذا لي ولا إثم علي " ، كأنما أعطي تراثه عن أبيه وأمه ، وإنما هو مال الله أفاءه الله علينا بأرماحنا وسيوفنا ، فقاتلوا عباد الله القوم الظالمين ، فإنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم ، وهم من قد عرفتم وخبرتم ، والله ما ازدادوا إلى يومهم إلا شراً .
قال : ولما انتهى عبد الله بن بديل ومن معه إلى قبة معاوية ، أقبل الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية ، فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل في الميمنة ، وبعث إلى حبيب بن مسلمة فحمل بالميسرة على ميمنة علي فهزمهم ، وانكشف أهل العراق من

الصفحة 75