كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 76 """"""
قبل الميمنة حتى لم يبق إلا ابن بديل في مائتين أو ثلاثمائة من القراء ، قد استند بعضهم إلى بعض ، وانجفل الناس .
وأمر علي سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة ، فاستقبلتهم جموع عظيمة لأهل الشام فاحتملتهم حتى أوقفتهم في الميمنة ، وكان أهل اليمن فيما بين الميمنه إلى موقف علي في القلب ، فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي رضي الله عنه ، فانصرف يمشي نحو الميسرة ، وثبتت ربيعة ، ودنا أهل الشام منه فما زاده قربهم إلا سراعا .
وكان الحسن والحسين ومحمد بنو علي رضي الله عنه معه ، والنبل يمر بين عاتقه ومنكبيه ، وما من بنيه أحدٌ إلا يقيه بنفسه ، فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو عثمان ، فأقبل نحوه ، فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا ضربتين ، فقتله أحمر ، فأخذ علي بجنب درع أحمر فجذبه وحمله على عاتقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه .
قال : ولما دنا نمه أهل الشام قال له الحسن رضي الله عنه : ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء القوم من أصحابك ؟ فقال : يا بني إن لأبيك يوماً لا يعدوه ولا يبطئ به عنه السعي ، ولا يعجل به إليه المشي ، إن أباك والله لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه قال : ولما وصل إلى ربيعة نادى بصوت عالٍ كغير المكترث لما فيه الناس : لمن هذه الرايات ؟ قالوا : رايات ربيعة .
قال : بل راياتٌ عصم الله أهلها ، فصبرهم وثبت أقدامهم . . . وقال لحضين بن المنذر : يا فتى ألا تدني رايتك هذه ذراعا ؟ قال ؛ والله عشرة أذرع . فأدناها حتى قال علي رضي الله عنه : حسبك مكانك .
قال : ولما انتهى علي إلى ربيعة تنادوا بينهم : إن أصيب فيكم أمير المؤمنين وفيكم رجل حي افتضحتم في العرب فقاتلوا قتالاً شديداً ما قاتلوا مثله ، فلذلك قال علي رضي الله عنه :
لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلّها . . . إذا قيل " قدّمها حضين " تقدّما

الصفحة 76