كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 80 """"""
قال : فمنعني هذا القول من الفرار ، ونظر إلى عمرو فقال له : " اليوم صبرٌ ، وغداً فخر " . فقال : صدقت .
قال : وتقدم عقبة بن حديد النميري وهو يقول : " ألا إن مرعى الدنيا أصبح هشيماً ، وشجرها حصيداً ، وجديدها سملاً ، وحلوها مر المذاق ، وإني قد سئمت الدنيا ، وإني أتمنى الشهادة وأتعرض لها في كل جيشٍ وغارة ، فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم ، وإني معترض لها من ساعتي هذه ، وقد طمعت ألا أحرمها ، فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله في كلام طويل ، وقال : يا إخوتي ، قد بعت هذه الدار بالتي أمامها ، وهذا وجهي إليها فتبعه إخوته عبيد الله وعوف ومالك ، وقالوا : لا نطلب رزق الدنيا بعدك فقاتلوا حتى قتلوا ، وهم من أصحاب علي .
وكان ممن قتل في هذا اليوم من أصحاب علي أبو شداد قيس بن المكشوح ، واسم المكشوح : هبيرة بن هلال عند أكثرهم ، وكان قيس يومئذٍ صاحب رايةٍ بجلية ، وذلك أن بجلية قالت له : يا أبا شداد خذ رايتنا اليوم . فقال : غيري خيرٌ لكم . قالوا : ما نريد غيرك . قال فوالله لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب وكان على رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب يستر به معاوية من الشمس ، قالوا : اصنع ما شئت .
فأخذ الراية ثم زحف بها ، فجعل يطاعنهم حتى انتهى إلى صاحب الترس ، وكان في خيل عظيمة ، فاقتتل الناس قتالاً شديداً ، وشد أبو شداد على صاحب الترس - وقيل : كان صاحب الترس المذهب عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - فاعترضه دونه مولىً رومي لمعاوية ، فضرب قدم أبي شداد فقطعها ، وضربه أبو شداد فقتله ، وأشرعت إليه الرماح فقتلوه ، وأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي ، فقاتل حتى قتل ، ثم أخذها عفيف بن إياس فلم تزل في يده حتى تحاجز الناس . . وقتل غير هؤلاء ممن له صحبة .

الصفحة 80