كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 85 """"""
قال : ومر علي بكتيبة من أهل الشام فرآهم لا يزولون عن موقفهم - وهم غسان - فقال : " إن هؤلاء لا يزولون إلا بطعن وضرب يفلق الهام ويطيح العظام ، وتسقط منه المعاصم والأكف ، وحتى تقرع جباههم بعمد الحديد ، أين أهل النصر والصبر وطلاب الأجر ؟ " فأتاه عصابة من المسلمين ، فدعا ابنه محمداً فقال : " تقدم نحو هذه الراية مشياً رويداً على هينتك ، حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك حتى يأتيك مري " . ففعل وأعد لهم على مثلهم وسيرهم إلى ابنه محمد ، وأمره بقتالهم ، فحمل عليهم فأزالهم عن مواقفهم ، وأصابوا منهم رجالاً . قال : ومر الأسود بن قيس المرادي بعبد الله بن كعب المرادي وهو صريع ، فقال له عبد الله : يا أسود . قال : لبيك . وعرفه ونزل إليه وقال : " عز على مصرعك إن كان جارك ليأمن بوائقك ، وإن كنت لمن الذاكرين له كثيراً أوصني رحمك الله " قال : " أوصيك بتقوى الله ، وأن تناصح أمير المؤمنين ، وتقاتل معه المخلين ، حتى يظهر أو يلحق بالله ، وأبلغه عني السلام وقل له : قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك ، فإنه من أصبح غداً والمعركة خلف ظهره كان العالي " .
ثم لم يلبث أن مات ، فأقبل الأسود إلى علي فأخبره ، فقال : " رحمه الله جاهد عدونا في الحياة ، ونصح لنا في الوفاة " . . وقيل : إن الذي أشار على علي بهذا عبد الرحمن بن حنبل الجمحي .
قال : فاقتتل الناس تلك الليلة كلها إلى الصباح ، وهي ليلة الهرير ، فتطاعنوا حتى تقصفت الرماح ، وتراموا حتى نفذ النبل ، وأخذوا السيوف ، وعلي يسير بين الميمنة والميسرة ، ويأمر كل كتيبة أن تقدم على التي تليها ، فلم يزل يفعل ذلك حتى أصبح ، والمعركة كلها خلف ظهره ، والأشتر في الميمنة ، وابن عباس ، في الميسرة وعلي في القلب ، والناس يقتتلون من كل جانب وذلك يوم الجمعة وأخذ الأشتر

الصفحة 85