كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 89 """"""
نعم : قال : فاصنعوا ما أردتم فبعثوا إليه وقد اعتزل القتال وهو بغرض فأتاه مولىً له فقال : إن الناس قد اصطلحوا . فقال الحمد لله . قال : قد جعلوك حكماً . قال : إنا لله وإنا إليه راجعون وجاء أبو موسى حتى دخل في العسكر .
وجاء الأشتر علياً فقال : ألزني بعمرو بن العاص ، فوالله لئن ملأت عيني منه لأقتلنه . وجاء الأحنف بن قيس فقال : " يا أمير المؤمنين ، إنك قد رميت بحجر الأرض ، وإني قد عجمت أبا موسى وحلبت أشطره ، فوجدته كليل الشفرة قريب القعر ، وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يصير في أكفهم ويبعد عنهم حتى يصير بمنزلة النجم منهم ، فإن أبيت أن تجعلني حكماً فاجعلني ثانياً أو ثالثاً ، فإنه لن يعقد عقدة إلا حللتها ، ولا يحل عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها " . فأبى الناس إلا أبا موسى والرضا بالكتاب ، فقال الأحنف بن قيس : إن أبيتم إلا أبا موسى فأدفئوا ظهره بالرجال .
وحضر عمرو بن العاص عند علي لتكتب القضية بحضوره ، فكتبوا " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين " فقال عمرو : هو أميركم أما أميرنا فلا . فقال له الأحنف : لا تمح اسم أمير المؤمنين فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبداً ، لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضا ، فأبى ذلك عليٌ ملياً من النهار ، ثم قال الأشعث بن قيس : امح هذا الاسم . فمحي ، فقال علي رضي الله عنه : " الله أكبر سنة بسنة ، والله إني لكاتب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم الحديبية ، فكتبت ، " محمد رسول الله " فقالوا : لست برسول الله ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فأمرني رسول الله عليه الصلاة والسلام بمحوه ، فقلت : لا أستطيع . فقال أرنيه . فأريته فمحاه بيده وقال : إنك ستدعى إلى مثلها فتجيب " . فقال عمرو : " سبحان الله أنشبه بالكفار ونحن مؤمنون ؟ " فقال عليٌ رضي الله عنه : يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين ولياً وللمؤمنين عدواً ؟ فقال عمرو : والله لا يجمع بيني وبينك مجلسٌ أبداً فقال علي : إني لأرجو أن يطهر الله مجلسي منك ومن أشباهك .

الصفحة 89