كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 20)

"""""" صفحة رقم 94 """"""
ذكر اجتماع الحكمين
قال : ولما جاء وقت اجتماع الحكمين أرسل علي رضي الله عنه أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي ، وأرسل عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم ، ومعهم أبو موسى الأشعري . وأرسل معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام ، حتى توافوا من دومة الجندل بأزرح وكان عمرو إذا أتاه كتاب من معاوية لا يدري أحدٌ ما جاء فيه ، ولا يسأله أهل الشام عن شيء ، وكان أهل العراق يسألون ابن عباس عن كل كتاب يصل إليه من علي ، فإن كتمه ظنوا به الظنون وقالوا : نراه كتب بكذا وكذا ، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنه : " أما تعقلون ، أما ترون رسول معاوية يجيء فلا يعلم أحد بما جاء به ولا يسمع لهم صياح ؟ وأنتم عندي كل يوم تظنون الظنون " . قال وحضر معه عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن الحارث بن هشام ، وعبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري ، وأبو جهم بن حذيفة العدوي ، والمغيرة بن شعبة .
وكان سعد بن أبي وقاص على ماء لبني سليم بالبادية ، فأتاه ابنه عمر فقال له : " إن أبا موسى وعمراً قد شهدهم نفرٌ من قريش فاحضر معهم ، فإنك صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأحد أصحاب الشورى ، ولم تدخل في شيء كرهته هذه الأمة ، وأنت أحق الناس في الخلافة " فلم يفعل ، وقيل : بل حضرهم سعد وندم على حضوره ، فأحرم بعمرةٍ من بيت المقدس .
قال : ولما اجتمع الحكمان قال عمرو بن العاص ، يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ، قال أشهد . قال : ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه ؟ قال : بلى . . قال : " فما يمنعك منه وبيته في قريش كما قد علمت ؟ فإن خفت أن يقول الناس ليست له سابقة فقل : وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم ، والطالب بدمه ، الحسن السياسية والتدبير ، وهو أخو أم حبيبة زوج النبي عليه الصلاة والسلام وكاتبه ، وقد صحبه " وعرض له عمرو بسلطان ، فقال أبو موسى : " يا عمرو ، اتق الله أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه أهله ، ولو كان على الشرف لكان لآل أبرهة بن الصباح ، إنما هو لأهل الدين والفضل ، مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفاً أعطيته علي بن أبي طالب ، وأما قولك إن معاوية ولي دم عثمان فوله هذا الأمر ، فلم أكن لأوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين ، وأما تعريضك لي بالسلطان ؛ فوالله لو خرج لي معاوية من سلطانه كله ما وليته ، وما كنت لأرتشي في حكم الله ، ولكنك إن شئت أن تحيي اسم عمر بن الخطاب " قال له عمرو : فما

الصفحة 94