كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 9)

165 - الحسن بن علي بن إبرهيم بن يَزْداد بن هُرْمز، الَأستاذ أبو عليّ الأهوازيّ المُقرئ، [المتوفى: 446 هـ]
نزيل دمشق.
قدِمها في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وسكنها، وكان مولده في أوّل سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. عني بالقراءات، ورحل فيها، ولقي الكبار، فقرأ للدُّوريّ على أبي الحسن عليّ بن حسين بن عثمان الغَضَائريّ، عن القاسم بن زكريّا، عنه. وقرأ لحفص، على الغضائري، عن ابن سهل الأُشْنَانيّ، عن عُبَيدٍ، عنه. وقرأ للّيث صاحب الكسائيّ، على أبي الفرج الشَّنْبُوذيّ، وقرأ لَأبي بكر على أبي حفص الكتّانيّ، عن ابن مجاهد، وقرأ للبزي بالَأهواز على أبي عُبَيْد اللَّه محمد بن محمد بن فيروز صاحب الحسن ابن الحباب، وقرأ لقالون في سنة ثمان وسبعين بالأهواز على أحمد بن محمد بن عبيد الله التستري، وقرأ لِوِرْش على أبي بكر محمد بن عُبَيْد اللَّه بن القاسم الخِرقيّ، وقرأ على جماعة كثيرة يطول ذكرهم بالشّام، والعراق، والَأهواز.
وصنّف " الموجز " " والوجيز " و " الْإِيجاز "، وغير ذَلِكَ في القراءات، ورحل إليه القُّراء لِعُلُوِّ سنده وإتقانه. قرأ عليه أبو عليّ غلام الهرّاس، وأبو القاسم الهُذَليّ، وأبو بكر أَحْمَد بن عمر بن أبي الأشعث السَّمَرْقَنْديّ، وأبو نَصْر أَحْمَد بن عليّ بن محمد الزّينبيّ البغداديّ، وأبو الحسن علي بن أحمد الأبهري المصيني الضّرير، وأبو الوحش سُبيْع بن المُسلِم، وأبو بكر محمد بن المُفرِّج البَطَلْيُوسيّ، وأبو بكر عَتِيق بن محمد الرّدائيّ، ومؤلّف " المفتاح " أبو القاسم عبد الوهّاب بن محمد القُرْطُبيّ.
وقد روى الحديث عن نصر بن أَحْمَد بن الخليل المرجي، وعبد الجبار بن محمد الطّلْحيّ، وأبي حفص الكتّانيّ، وهبة اللَّه بن موسى الموصِليّ، والمعافى بن زكريّا النهروانيّ، وعبد الوهّاب بن الحسن الكِلابيّ، وتمَّام بن محمد الرّازيّ، وأبي مسلم محمد بن أَحْمَد الكاتب، وخلْقٌ يطول ذكرهم. -[678]-
وله تواليف في الحديث.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو سعد السّمّان، وعبد الرّحيم البخاري، وعبد العزيز الكتاني، والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبو طاهر محمد بن الحسين الحِنّائيّ، وأبو القاسم النّسيب، ووثقه النسيب.
وكان من غُلاة السُّنّة. صنَّف كتابًا في الصفات، وروى فيه الموضوعات ولم يضعِّفْها، فما كأنّهُ عرف بوضعها، فتكلّم فيه الأشاعرة لذلك، ولَأنه كان ينال من أبي الحسن الأشعريّ.
قال أبو القاسم ابن عساكر: كان مذهبه مذهب السّالمية، يقول بالظّاهر ويتمسّك بالَأحاديث الضّعيفة التي تُقوّي له رأيه.
سألتُ شيخنا ابن تيميّة عن مذهب السّالمية فقال: هم قوم من أهل السنة في الجملة من أصحاب أبي الحسن بن سالم، أحد مشايخ البصرة وعُبَّادها، وهو أبو الحسن أَحْمَد بن محمد بن سالم من أصحاب سهل بن عبد اللَّه التَّسَتُّريّ، خالفوا في مسائلٍ فبدعوا.
ثم قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن أَحْمَد بن منصور، يعني ابن قُبَيْس، يحكي عن أبيه قال: لمّا ظهر من أبي عليّ الأهوازيّ الْإِكثار من الروايات في القراءات اتُّهِم في ذلك، فسار رشأ بن نظيف، وأبو القاسم بن الفُرات، ووصلوا إلى بغداد، وقرأوا على الشّيوخ الّذين روى عنهم الأهوازي، وجاؤوا بالْإِجازات، فمضى الأهوازيّ إليهم وسألهم أن يروه تلك الخطوط، فأخذها وغيّر أسماء مَن سمّى ليستُر دعواه، فعادت عليه بَرَكَة القرآن فلم يفتضح. فحدّثني والدي أبو العبّاس قال: عُوتِبَ، أو قال عاتبتُ أبا طاهر الواسطيّ في القراءة على الأهوازيّ، فقال: أقرأ عليه للعِلم ولا أُصدّقه في حرفٍ واحد.
وقال ابن عساكر في " تبيين كذِب المفتري ": لَا يستبعدنّ جاهل كذب -[679]- الأهوازيّ فيما أورده من تلك الحكايات، فقد كان من أكذب النّاس فيما يدّعي من الرّوايات في القراءات.
وقال أبو طاهر محمد بن الحسن المِلَحيّ: كنت عند رشأ بن نظيف في داره عَلَى باب الجامع وله طاقة إلى الطريق، فاطّلَع منها وقال: قد عَبَرَ رجل كذَّاب. فاطَّلعت فوجدته الأهوازيّ.
وقال الحافظ عبد الله بن أحمد ابن السَّمَرْقَنْديّ: قال لنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أبو عليّ الأهوازيّ كذّاب في الحديث والقراءات جميعًا.
وقال الكتّانيّ: اجتمعت بالحافظ هبة اللَّه بن الحسن الطبري ببغداد، فسألني عمن بدمشق من أهل العلم، فذكرت له جماعة منهم أبو عليّ الأهوازيّ فقال: لو سَلِمَ من الراويات في القراءات.
قلت: أمّا القراءات فتلقّوا ما رواه من القراءة وصدّقوه في اللّقاء، وكان مقرئ أهل الشّام بلا مدافعة؛ معرفةً وضبطًا وعلو إسناد.
قال أبو عمرو الدّانيّ: أخذ أبو عليِّ القراءة عَرْضًا وسماعًا عن جماعة من أصحاب ابن مجاهد وابن شَنَبوذ، وكان واسع الرِّواية كثير الطُّرق حافظًا ضابطًا. أقرأ النّاس بدمشق دهْرًا.
قلت: وقد زعم أنّ شيخه الغَضَائريّ قرأ القرآن على أبي محمد عبد اللَّه بن هاشم الزَّعْفَرَانيّ، عن قراءته على خَلَف بن هشام البزَّار، ودَحَيْم الدِّمشقيّ، وأن شيخه العِجْليّ قرأ على الخَضر بن الهيثم الطوسي سنة عشر وثلاثمائة، عن عمر بن شبَّة، وفي النَّفس شيء من قرب هذه الأسانيد، ويكفي من ضعفها أن رواتها مجاهيل.
وذكر أن الغَضَائريّ قرأ على المطِّرز، عن قراءته على أبي حمدون الطِّيّب بن إسماعيل، وهذا قول مُنكَر.
قال ابن عساكر في حديث هو موضوع رواه الخطيب، عن أبي علي الأهوازي: وهو مُتَّهَم.
قلتُ: رَوَاهُ الأَهْوَازِيُّ فِي الصِّفَاتِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ الأَطْرَابُلُسِيِّ، عَنِ الْقَاضِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ، عَنْ هُدْبَةَ بْنِ -[680]- خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ وَكِيعِ بن عدس، عن أبي رزين لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ رَبِّي بِمِنًى عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ عَلَيْهِ جُبَّةٌ ". هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدِ اتَّهَمَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَبَا عَلِيٍّ الأَهْوَازِيَّ كَمَا تَرَى، وَهُوَ عِنْدِي آثِمٌ ظَالِمٌ لِرِوَايَتِهِ مِثْلُ هَذَا الْبَاطِلِ، وَلِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي زرعة أحمد بن محمد: حدثنا جدي لأمي الحسن بن سعيد، قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، قال: حدثنا حماد بن دليل، عن الثوري، عن قيس بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ: إِذَا كَانَ عِشِيَّةَ عَرَفَةَ هَبَطَ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَيَكُونُ إِمَامَهُمْ إِلَى الْمَزْدَلِفَةِ، وَلا يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَإِذَا أَسْفَرَ غَفَرَ لَهُمْ حَتَّى الْمَظَالِمِ. ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ.
وَأَطِمَ مَا للأَهْوَازِيِّ فِي كِتَابِ " الصِّفَاتِ " لَهُ حَدِيثٌ: " إِنَّ اللَّه لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ خَلَقَ الْخَيْلَ فَأَجْرَاهَا حَتَّى عَرِقَتْ، ثُمَّ خَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ ذلك العرق ".
وهذا خبر مقطوع بوضعه، لعن الله واضعه ومعتقده مع أنه شيء مستحيل في العقول بالبديهة.
قال ابن عساكر: قرأت بخطِّ الأهوازيّ قال: رأيت رب العزة في النوم وأنا بالَأهواز، وكأنّه يوم القيامة فقال لي: بقي علينا شيء اذهب. فمضيت في ضوء أشدّ بياضًا من الشّمس وأَنْوَر من القمر، حتى انتهيت إلى طاقة أمام باب، فلم أزل أمشي عليه ثم انتبهت.
قال ابن عساكر: أنبأنا أبو الفضائل الحَسَن بن الحَسَن الكِلابيّ قال: حدَّثني أخي عليِّ بن الخِضر العثمانيّ قال: أبو عليِّ الأهوازيِّ تكلّموا فيه، وظهر له تصانيف زعموا أنّهُ كذب فيها.
وَأَنْبَأَنَا أَبُو طاهر الحنائي، قال: أخبرنا الأهوازي، قال: حدثنا أبو حفص بن سلمون، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف الأصبهاني، قال: حدثنا شعيب بن بيان الصفار، قال: حدثنا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الأذان والإقامة عليه رداء مكتوب عليه {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا} -[681]- يقف فِي قِبْلَةِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مُقبِلا عَلَيْهِ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ صَعَدَ إِلَى السَّمَاءِ.
وَبِهِ إِلَى عمر بْنِ سَلَمُونٍ بِإِسْنَادٍ ذَكَرَهُ، عَنْ أَسْمَاءَ، مَرْفُوعًا: " رَأَيْتُ رَبِّي بِعَرَفَاتٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ عَلَيْهِ إِزَارٌ ".
وَهَذَانِ وَاللَّهِ مَوْضُوعَانِ، وَحَدُّ السُّوفِسْطَائِيِّ أَنْ يُشَكَّ فِي وَضْعِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ.
قال الكتّانيّ: وكان الأهوازيّ مُكثرًا من الحديث، وصنَّف الكثير في القراءات، وكان حسن التّصنيف، وفي أسانيد القراءات لهُ غرائب يُذكَر أنّهُ أخذها روايةً وتلاوةً، وتُوُفِّي في ذي الحجّة.
وزاد غيره: في رابع ذي الحجّة.
وقد وهّاه ابن خيرون، ورماه ابن عساكر بالكذِب غير مرَّة في كتابه " تبيين كذِب المُفتري "، وقال: رماه اللَّه بالدَّاء الأكبر.

الصفحة 677