كتاب لسان العرب (اسم الجزء: 9)
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عائدُ الْمَرِيضِ فِي بَسَاتِينِ «2» الْجَنَّةِ؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: بَلْ هُوَ المُخْطئُ لأَن المَخْرَفَ يَقَعُ عَلَى النَّخْلِ وَعَلَى المَخْرُوفِ مِنَ النَّخْلِ كَمَا يَقَعُ المشْرَب عَلَى الشُرْبِ والموضعِ والمَشْرُوبِ، وَكَذَلِكَ المَطْعَمُ يَقَعُ عَلَى الطَّعَامِ المأْكول، والمَرْكَبُ يقعُ عَلَى الْمَرْكُوبِ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَن تَقَعَ المَخارِفُ عَلَى الرُّطَبِ المَخْرُوف، قَالَ: وَلَا يَجْهَلُ هَذَا إِلَّا قَلِيلُ التَّفْتِيشِ لِكَلَامِ الْعَرَبِ؛ قَالَ نُصَيْبٌ:
وَقَدْ عادَ عَذْبُ الماءِ بَحْراً، فزادَني ... إِلَى ظَمَئي أَنْ أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
وَقَالَ آخَرُ:
وأُعْرِضُ عَنْ مَطاعِمَ قَدْ أَراها ... تُعَرَّضُ لِي، وَفِي البَطْنِ انْطواء
قَالَ: وَقَوْلُهُ عَائِدُ الْمَرِيضِ عَلَى بَسَاتِينِ الْجَنَّةِ لأَن عَلَى لَا تَكُونُ بِمَعْنَى فِي، لَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ الكِيسُ عَلَى كُمِّي يُرِيدُ فِي كُمِّي، والصِّفاتُ لَا تُحْمَلُ عَلَى أَخواتها إِلَّا بأَثر، وَمَا رَوَى لُغَوِيّ قطُّ أَنهم يَضَعُون عَلَى مَوْضِعَ فِي. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
عَلَى خُرْفةِ الْجَنَّةِ
؛ والخُرفة، بِالضَّمِّ: مَا يُخْتَرَفُ مِنَ النَّخْلِ حِينَ يُدْرِكُ ثَمَرَهُ. وَلَمَّا نَزَلَتْ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً*، الْآيَةَ؛ قَالَ أَبو طَلْحَةَ: إنَّ لِي مَخْرَفاً وَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ صَدَقَةً أَي بُسْتاناً مِنْ نَخْلٍ. وَالْمَخْرَفُ، بِالْفَتْحِ: يَقَعُ عَلَى النَّخْلِ وَالرُّطَبِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي قَتَادة: فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً
أَي حَائِطًا يُخْرَفُ مِنْهُ الرُّطَبُ. وَيُقَالُ لِلنَّخْلَةِ الَّتِي يأْخذها الرَّجُلُ للخُرْفَة يَلقُطُ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرُّطَب: الخَرُوفَةُ. وَقَدِ اشْتَمَلَ فُلَانٌ خَرائفَه إِذَا لَقَطَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرُّطَبِ إِلَّا قلِيلًا، وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ
عَائِدُ الْمَرِيضِ عَلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ
أَي يؤدِّيه ذَلِكَ إِلَى طُرُقِهَا؛ وَقَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ رَجُلًا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً:
وَلَقَدْ تُحِينُ الخِرْقَ يَرْكُدُ عِلْجُه، ... فَوْقَ الإِكامِ، إدامَةَ المُسْتَرْعِفِ
فأجَزْتُه بأَفَلَّ تَحْسَبُ أَثْرَه ... نَهْجاً، أَبانَ بِذِي فَريغٍ مَخْرَفِ
فَريغ: طَرِيقٌ وَاسِعٌ.
وَرُوِيَ أَيضاً عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَن عادَ مَريضاً إِيمَانًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَصْدِيقًا لكِتابه كَانَ مَا كَانَ قاعِداً فِي خِرافِ الجنةِ
، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى:
عائدُ المريضِ فِي خِرافة الْجَنَّةِ
أَي فِي اجْتِناء ثَمَرِهَا مِنْ خَرَفْت النخلةَ أَخْرُفُها، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى:
عَائِدُ الْمَرِيضِ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ
أَي مَخْرُوفٌ مِنْ ثَمَرِهَا، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. والمَخْرَفةُ: الْبُسْتَانُ. والمَخْرَفُ والمَخْرَفَةُ: الطَّرِيقُ الواضحُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَرَكْتُكُمْ عَلَى مَخْرَفةِ «3» النَّعَمِ
أَي عَلَى مِثْلِ طريقِها الَّتِي تُمَهِّدُها بأَخْفافِها. ثَعْلَبٌ: المَخارِفُ الطُّرُقُ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَية الطُّرُق هِيَ. والخُرافةُ: الحديثُ المُسْتَمْلَحُ مِنَ الكذِبِ. وَقَالُوا: حَدِيثُ خُرافةَ، ذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِمْ حديثُ خُرَافَة أَنَّ خُرَافَةَ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَو مِنْ جُهَيْنةَ، اخْتَطَفَتْه الجِنُّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَكَانَ يُحَدِّثُ بأَحاديثَ مِمَّا رَأَى يَعْجَبُ منها الناسُ
__________
(2). قوله [في بساتين إلخ] هذا يناسب رواية النهاية عائد المريض على مخارف الجنة بصيغة الجمع لا الرواية هنا في مخرفة الجنة بالإفراد.
(3). قوله [تركتكم على مخرفة] الذي في النهاية: تركتم على مثل مخرفة.
الصفحة 65
366