كتاب لسان العرب (اسم الجزء: 9)
ابْنُ الأَثير: وَقَدْ وَرَدَ الخُسُوفُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا لِلشَّمْسِ وَالْمَعْرُوفُ لَهَا فِي اللُّغَةِ الكسوفُ لَا الخُسُوفُ، فأَما إطلاقُه فِي مِثْلِ هَذَا فَتَغْلِيبًا لِلْقَمَرِ لِتَذْكِيرِهِ عَلَى تأْنيث الشَّمْسِ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَخُصّ الْقَمَرَ، وَلِلْمُعَاوَضَةِ أَيضاً فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخرى:
إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفانِ
، وأَما إطلاقُ الخُسُوفِ عَلَى الشَّمْسِ مُنْفَرِدَةً فَلِاشْتِرَاكِ الخُسُوف وَالْكُسُوفِ فِي مَعْنَى ذَهَابِ نُورِهِمَا وَإِظْلَامِهِمَا. والانْخِسَافُ: مُطاوِعُ خَسَفْتُه فانْخَسَفَ. وخَسَفَ الشيءَ يَخْسِفُه خَسْفاً: خَرَقَه. وخَسَفَ السقْف نفْسُه وانْخَسَفَ: انْخَرَقَ. وَبِئْرٌ خَسُوفٌ وخَسِيفٌ: حُفِرَتْ فِي حِجَارَةٍ فَلَمْ يَنْقَطِعْ لَهَا مَادَّةٌ لِكَثْرَةِ مَائِهَا، وَالْجَمْعُ أَخْسِفةٌ وخُسُفٌ، وَقَدْ خَسَفَها خَسْفاً، وخَسْفُ الرَّكِيَّةِ: مَخْرَجُ مَائِهَا. وبئرٌ خَسِيفٌ إِذَا نُقِبَ جَبَلُها عَنْ عَيْلَمِ الْمَاءِ فَلَا يَنْزَحُ أَبداً. والخَسْفُ: أَن يَبْلُغَ الحافِرُ إِلَى مَاءِ عِدٍّ. أَبو عَمْرٍو: الخَسِيفُ الْبِئْرُ الَّتِي تُحْفَرُ فِي الْحِجَارَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهَا كَثْرَةً؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
قَدْ نَزَحَتْ، إنْ لَمْ تَكُنْ خَسِيفا، ... أَو يَكُنِ البَحرُ لَهَا حَلِيفَا
وَقَالَ آخَرُ: مِنَ العَيالِمِ الخُسْفُ، وَمَا كَانَتِ الْبِئْرُ خَسِيفاً، وَلَقَدْ خُسِفَتْ، وَالْجَمْعُ خُسُفٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَن الْعَبَّاسَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، سأَله عَنِ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ: امْرُؤُ الْقَيْسِ سابِقُهم خَسَفَ لَهُمْ عَيْن الشِّعْرِ فافْتَقَرَ «1» عَنْ معانٍ عُورٍ أَصَحَّ بَصَرٍ
أَي أَنْبَطَها وأَغْزَرها لَهُمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ خَسَفَ البئرَ إِذَا حَفَرَها فِي حِجَارَةٍ فَنَبَعَتْ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، يُرِيدُ أَنه ذَلَّلَ لَهُمُ الطَّرِيقَ إِلَيْهِ وبَصَّرَهُم بمَعاني الشِّعْر وفَنَّن أَنواعه وقَصَّدَه، فاحْتَذَى الشُّعَرَاءُ عَلَى مِثَالِهِ فَاسْتَعَارَ الْعَيْنَ لِذَلِكَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ قَالَ لِرَجُلٍ بَعَثَهُ يَحفِرُ بِئْرًا: أَخَسَفْتَ أَم أَوشَلْتَ؟ أَي أَطْلَعْتَ مَاءً كَثَيِرًا أَم قلِيلًا. والخَسِيفُ مِنَ السَّحابِ: مَا نَشَأَ مِنْ قِبَلِ العَيْنِ حامِلَ مَاءٍ كَثِيرٍ والعينُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ. والخَسْفُ: الهُزالُ والذُّلُّ. وَيُقَالُ فِي الذُّلِّ خُسْفٌ أَيضاً، والخَسْفُ والخُسْفُ: الإِذْلالُ وتَحْمِيلُ الإِنسان مَا يَكْرَه؛ قَالَ الأَعشى:
إذْ سامَه خُطَّتَيْ خَسْفٍ، فَقَالَ لَهُ: ... اعْرِضْ عليَّ كَذَا أَسْمَعْهما، حارِ «2»
والخَسْفُ: الظُّلْمُ؛ قَالَ قَيس بْنُ الْخَطِيمِ:
وَلَمْ أَرَ كامْرئٍ يَدْنُو لِخَسْفٍ، ... لَهُ فِي الأَرض سَيْرٌ وانْتِواء
وَقَالَ ساعِدةُ بْنُ جُؤيّةَ:
أَلا يَا فَتًى، مَا عَبْدُ شَمْسٍ بِمِثْلِه ... يُبَلُّ عَلَى العادِي وتُؤْبَى المَخاسِفُ
المَخاسِفُ: جَمْعُ خَسْفٍ، خَرَجَ مَخْرَجَ مَشابهَ ومَلامِحَ. وَيُقَالُ: سامَه الخَسْفَ وسامَه خَسْفاً وخُسْفاً، أَيضاً بِالضَّمِّ، أَي أَوْلاه ذُلًّا. وَيُقَالُ: كلَّفه المَشَقَّةَ والذُّلَّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: مَنْ تَرَكَ الجِهادَ أَلْبَسَه اللهُ الذِّلَّةَ وسيمَ الخَسْفَ
؛ الخَسْفُ: النُّقْصانُ والهَوانُ، وأَصله أَن تُحْبَسَ الدابةُ عَلَى غَيْرِ عَلَفٍ ثُمَّ اسْتُعِيرَ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الهَوان، وسِيمَ: كُلِّفَ وأُلزِمَ. والخَسْفُ: الجُوعُ؛ قَالَ بِشْر بْنُ أَبي خازم:
بضَيْفٍ قَدْ أَلمَّ بِهِمْ عِشاءً، ... عَلَى الخَسْفِ المُبَيَّنِ والجُدُوبِ
__________
(1). قوله [فافتقر إلخ] فسره ابن الأَثير في مادة فقر فقال: أَي فَتَحَ عَنْ مَعَانٍ غامضة.
(2). في قصيدة الأَعشى:
قلْ ما تشاء، فإني سامعٌ حارِ
الصفحة 68
366