كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (اسم الجزء: 9)

الحوانيت ببولاق وَغَيره وَيُقَال أَن سليما بشره بِالْقضَاءِ الْأَكْبَر وَنَحْوه صَنِيع خَليفَة حَيْثُ كَانَ يخاطبه بذلك بل رأى هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبشره بأَشْيَاء مِنْهَا الْقَضَاء وَولى قَضَاء الْعَسْكَر وإفتاء دَار الْعدْل وتدريس الْفِقْه بالصالح بعد أَبِيه بعناية الْمُحب شَيْخه وَكَانَ يَنُوب عَنهُ فِيهِ فَلَمَّا ولى ابْن مغلى انتزع مِنْهُ الصَّالح وكلم فِي ذَلِك فَعوضهُ عَنهُ بِقدر كل شهر ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ بعدو عرف بالديانة وَالْأَمَانَة والأوصاف الحميدة وأشير إِلَيْهِ بالتقدم فِي معرفَة الشُّرُوط مَعَ البراعة فِي الْمَذْهَب، فَلَمَّا مَاتَ شَيْخه الْمُحب اسْتَقل فِي الْقَضَاء فَسَار فِيهِ سيرة حَسَنَة جدا بعفة ونزاهة وصيانة وَأَمَانَة وَتثبت وإمعان فِي نظر المكاتيب وَالشُّهُود مَعَ التصميم على منع الاستبدالات وَأَشْيَاء كَانَت فَاشِية قبله وَلَا زَالَ مَعَ ذَلِك يستجلب الخواطر باللين وَالِاحْتِمَال والتواضع والبذل مَعَ التقلل من الدُّنْيَا وَعدم ادخارها إِذا وَقعت بِيَدِهِ وَنصر الْمَظْلُوم وإغاثة اللهفان والمداراة مَعَ الصلابة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا حَتَّى كَانَ قيل لينًا من غير ضعف شَدِيدا بِدُونِ عنف فَصَارَ إِلَى رياسة ضخمة وَحُرْمَة وافرة وَكلمَة مَقْبُولَة وأوامر مطاعة وهرع النَّاس لبابه وَقصد فِي الْمُهِمَّات الْكِبَار وترامى عَلَيْهِ أَصْحَاب الْحَوَائِج من الْفُقَهَاء والقضاة والمباشرين والأمراء وَغَيرهم وَلم يتحاش أحد عَن الْحُضُور عِنْده بِحَيْثُ كَانَ إِذا مرض أَو حصل لَهُ أَمر يتَرَدَّد إِلَيْهِ الْخَلِيفَة فَمن دونه لَا يتَخَلَّف عَنهُ مِنْهُم أحد لما ألفوه من كَثْرَة موافاته لَهُم وإعمال فكره فِي نصحهمْ بِمَا يَنْفَعهُمْ فِي الدَّار الْبَاقِيَة وَأما الْجمال بن كَاتب حكم نَاظر الْخَاص فَكَانَ لَا يعدو أمره بِحَيْثُ كَانَت تجْرِي كثير من صدقاته على يَدَيْهِ وَلِهَذَا تردد إِلَيْهِ جُمْهُور الْفُقَهَاء والطلبة وَغَيرهم وبالغوا فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَلما مَاتَ الزين عبد الباسط أسْند وَصيته لجَماعَة هُوَ مِنْهُم وَأوصى لَهُ بِأَلف دِينَار يفرقها بِحَسب رَأْيه وثوقا مِنْهُ بذلك ففرقها من غير تنَاول لدرهم مِنْهَا فِيمَا بَلغنِي بل سَمِعت أَنه أوصى لَهُ هُوَ بِأَلف أُخْرَى فَأَعْرض عَنْهَا وَكَذَا اتّفق لَهُ مَعَ الْبَدْر بن التنسي وَابْن السُّلْطَان حسن حَيْثُ أوصى كل مِنْهُمَا لَهُ)
بِخَمْسِمِائَة دِينَار فَأَعْرض عَنْهَا وَكَثِيرًا مَا كَانَ يتفرق مَا يَخُصُّهُ من الْوَصَايَا على الطّلبَة وَنَحْوهم وَكَذَا كَانَ الظَّاهِر جقمق منقادا مَعَه إِلَى الْغَايَة حَتَّى أَنه كَانَ يَأْمر بِمَا لَا يَسْتَطِيع أحد مُرَاجعَته فِيهِ فَلَا يزَال يتلطف بِهِ ويترسل فِي حسن التوسل إِلَى أَن يصغي لكَلَامه وَيرجع إِلَيْهِ وكفه عَن أَشْيَاء كَانَت بادرته تلجئه إِلَى الْوُقُوع فِيهَا خُصُوصا مَعَ الْفُقَهَاء وَنَحْوهم كَالْقَاضِي علم الدّين فِي عدم تَمْكِينه من إِخْرَاج الخشابية عَنهُ والشفاعة فِيهِ حَتَّى رَجَعَ بِهِ من الصَّحرَاء حَيْثُ الْأَمر بنفيه وَلما تعيّنت الخشابية فِي بعض توعكاته للمناوى كَانَ ساعيا فِي الْبَاطِن فِي عدم خُرُوجهَا

الصفحة 132