كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 9)

تأويل من تأول الحديث على أن الحمار حي، وهو قوله: "رجل حمار" وفي طريق آخر "عجز حمار وحشي يقطر دمًا"، وفي طريق آخر "شق حمار"، وفي رواية زيد بن أرقم: "أهدى للنبي -عليه السلام- عضو من لحم صيد فرده وقال: إنا لا نأكله إنا حرم" فبهذه الروايات يحتج من يقول من الناس: إن المحرم لا يأكل لحم صيد وإن لم يصد من أجله.
وقال إسماعيل: سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه صيد من أجله، ولولا ذلك لكان أكله جائزًا، وقال سليمان: ومما يدل على أنه صيد من أجله قولهم في الحديث: "فرده يقطر دمًا كأنه صيد في ذلك الوقت".
وقال ابن بطال: اختلاف روايات حديث الصعب تدل على أنها لم تكن قضية واحدة، وإنما كانت قضايا، فمرة أهدى إليه الحمار كله، ومرة عجزه، ومرة رجله، لأن مثل هذا لا يذهب على الرواة ضبطه حتى يقع فيه التضاد في النقل والقصة واحدة.
وقال القرطبي: بوب البخاري على هذا الحديث وفهم منه الحياة، والروايات الآخر تدل على أنه كان ميتًا، وأنه آتاه بعضو منه، وطريق الجمع: أنه جاء بالحمار ميتا فوضعه بقرب النبي -عليه السلام- ثم قطع منه ذلك العضو فأتاه به، فصدق اللفظان، أو يكون أطلق اسم الحمار وهو يريد بعضه وهذا من باب التوسع والتجوز، أو نقول: إن الحمار كان حيًّا فيكون قد أتاه به، فلما رده وأقره بيده ذكاه، ثم أتاه بالعضو المذكور، ولعل الصعب ظن أنه إنما رده لمعنى يخص الحمار بجملته، فلما جاء بجزئه أعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد كحكم الصيد لا يحل للمحرم قبوله ولا تملكه.
وقال البيهقي: قال الربيع: قال الشافعي: فإن كان الصعب أهدى إلى النبي -عليه السلام- الحمار حيًّا فليس لمحرم ذبح حمار وحشي وإن كان أهدى له لحمًا فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فرده، وأيضًا في حديث جابر وحديث مالك أن الصعب أهدى حمارًا، أثبت من حديث من قال: أهدى له لحم حمار.

الصفحة 320