كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

والثالث: أن يوفي فيه الصداق ويدفع فيه المتعة, فإن طلق المختارة منهن أقل من ثلاث فهل يقع طلاقها بائنًا لا يملك فيه الرجعة أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: أن يكون كطلاق غيره من أمته رجعياً.
والوجه الثاني: أن يكون بائنًا لا رجعة فيه؟ لأن الله تعالى غلظ عليه في التخيير، فيغلظ عليه الطلاق، وفي تحريمهن بذلك على التأييد وجهان:
أحدهما: لا يحرمن على التأييد يكون سراحًا جميلًا.
والوجه الثاني: قد حرمن على الأبد؟ لأنهن أخذن الدنيا على الآخرة فلم يكن من أزواجه في الآخرة، فهذا حكمهن إذا قيل إنه تخيير النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان تخييرًا بين الدنيا والآخرة. فأما إذا قيل وهو الأظهر من القولين: إنه خيرهن بين الطلاق أو المقام، فتخيير غيره من أمته يكون كناية يرجع فيه إلى نية الزوج في تخييرها، والى نية الزوجة في اختيارها.
وقال مالك: وهو صريح: فإن لم تختر نفها كان صريحًا في طلقة بائنة.
وقال أبو حنيفة: إن لم تختر نفسها وان اختارت نفسها كان صريحًا في طلقة بائنة لا يرجع فيه إلى نية أحد منهما. وللكلام عليهما في موضع يأتي. وأما تخيير النبي صلى الله عليه وسلم وجهان:
أحدهما: أنه كناية لتخيير غيره يرجع فيه إلى نيتهما.
والثاني: أنه صريح في الطلاق لا يراعى فيه النية لخروجه مخرج التغليظ على نيته، ثم هل يكون بائنًا يوجب تحريم الأبد أم لا؟ على ما ذكرنا من الوجهين. ثم تخيير غيره من أمته يراعى في اختيار الزوجة على الفور، فمتى تراخى اختيارها بطل، لأنه يبري مجرى الهبة في تعجيل قبولها على الفور، فأما تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لهن في هذه الحال ففيه وجهان:
أحدهما: يراعى فيه تعجيل الاختيار على الفور فإن تراخى بطل حكمه. لما ذكرنا من اعتباره بقبول الهبة التي هو وغيره من أمته فيها سواء.
والوجه الثاني: أن اختيارهن على التراخي لما اختص به من النظر لأنفسهن بين الدنيا والآخرة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها حين خيرها: "استأ مري أبويك" فلولا أنه على التراخي لكان بالاستثمار يبطل الاختيار.
فرع
فأما أنه التخيير فغيها دلائل على خمسة أحكام:
أحدهما: أن الزوج إذا أعسر بنفقة زوجته فلها خيار الفسخ.
والثاني: أن المتعة تجب للمدخول بها إذا طلقت.
والثالث: جواز تعجيلها قبل الطلاق، وكذلك تعجيل حقوق الأموال قبل الوجوب.

الصفحة 11