كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

والمسألة السابعة: أن اختلفوا في وجوب القسم عليه بين أزواجه على وجهين:
أحدهما: كان واجبا عليه, لأنه كان يقسم بينهن، ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما املك فلا تؤاخذني فيما لا املك".
يعني: قلبه وطيفه على نسائه محمولا في مرضه حتى حللنه في المقام عند عائشة ..
وهم بطلاق سودة، فقالت: قد أحببت أن أحشر في جمل نسائك، وقد وهبت يومي منك لعائشة، فكف عن طلاقها. وكان يقسم لنسائه يوما يوما ولعائشة يومين، يومها ويوم سودة.
وقيل: في ذلك نزل قوله تعالى: {وإنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا والصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وهو قول السدي.
الثاني: آن القسم بينهن لم يكن واجبا، وإنما كان يتطوع به وهو قول آبي سعيد الاصطخري وطائفة لها في وجوبه عليه من التشاغل عن لوازم الرسالة، ولقوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إلَيْكَ مَن تَشَاءُ} [الأحزاب:51] وفيه تأويلان:
أحدهما: معناه تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتها وتأتي من تشاء من أزواجك فلا تعزلها، هذا قول مجاهد.
والثاني: معناه تق خر من شتت من أزواجك, وهذا قول قتادة. {ومَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب:51] أي من ابتغيت فآويته إليك ممن غزلت آن تؤويه إليك {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} فيه تأويلان:
أحدهما: فلا جناح عليك فيمن ابتغيت وفيمن عزلت وهو قول يحيى بن سلام.
والثاني: فلا جناح عليك فيمن عزلت آن تؤويه إليك، وهو قول مجاهد: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولا يَحْزَنَّ ويَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب:51] فيه تأويلان:
أحدهما: إذا علمن آن له ودهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن فلم يحزن. وهذا قول مجاهد.
والثاني: إذا علمن آن هذا من حكم الله تعالى فيهن قرت أعينهن ولم يحزن وهذا قول قتادة، فاختلفوا هل أرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أحدًا من نسائه أم لا؟ فالذي عليه الأكثرون أنه لم يرج منهن أحدا وأنه مات عن تسع فكان يقسم منهن لثمان؟ لآن سودة وهبت يومها لعائشة، روي عن منصور عن ابن وزين قال: بلغ بعض نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يخلي سبيلهن فأتينه فقلن: لا تخل سبيلنا، وأنت في حل فيما بيننا وبينك، فأرجأ منهن نسوة وآوى نوة، فكان ممن أرجأ ميمونة وجويرية وآم حبيبة وصفية وسودة، وكان يقم بينهن في نفسه وماله ما شاء، وكان ممن آوى عائشة وأم سلمة

الصفحة 24