كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

ولاية لجنون أو صغر لم تنكح نفسها إلى بولي. قال مالك: إن كانت ذات شرف أو جمال أو مال صح نكاحها بغير ولي. وقال داود: إن كانت بكرًا لم يصح نكاحها إلا بولي وإن كانت ثيبًا صحّ بغير ولي. وقال أبو ثور: إن أذن لها وليها وجاز أن تعقد على نفسها وإن لم يأذن لها لم يجز. وقال أبو يوسف: تأذن لمن شاءت من الرجال في تزويجها دون النساء ويكون موقوفًا على إجازة وليها. فأما أبو حنيفة فاستدل بقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ} [البقرة: 234] فنسب النكاح إليهن ورفع الاعتراض عنهن وبرواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأيم أحق بنفسها من وليه والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها".
وبرواية نافع بن جبير وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لولي الثيب أمرًا" وبما روي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إن أبي- ونعم الأب هو- زوجني بابن أخ له ليرفع بي خسيسته، فرد نكاحها. فقالت: قد أخذت ما فعل أبي وإنما أردت ليعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء، ولأن كل من جاز له التصرف في ماله جاز له التصرف في نكاحه كالرجل طردًا والصغير عكسًا ولأنه عقد يجوز أن يتصرف فيه الرجل فجاز أن تتصرف فيه المرأة كالبيع ولأنه عقد على منفعته فجاز أن تتولاه المرأة كالإجارة ولأن لما جاز تصرفها في المهر وهو بدل من العقد جاز تصرفها في العقد، وتحريره: أن من جاز تصرفه في البدل جاز تصرفه في المبدل كالبالغ في الأموال طردًا والصغير عكسًا، والدلالة على جماعتهم قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعُروفِ} [البقرة: 232] فدلت الآية على ثبوت الولاية من وجهين:
أحدهما: نهى الأولياء عن عضلهن. والعضل: المنع في أحد التأويلين والتضيق في التأويل الآخر. فلو جاز لهن التفرد بالعقد لما أثر عضل الأولياء ولما توجه إليهم نهى.
والثاني: قوله في سياق الآية: {إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعُروفِ} [البقرة: 232]. والمعروف ما تناوله العرف بالاختيار وهو الولي وشاهدان. فإن قيل: فالمنع من العضل إنما توجه إلى الأزواج لتقديم ذكرهم دون الأولياء الذين ليس لهم في الآية ذكر فعن ذلك جوابان:
أحدهما: أنه لا يجوز توجيه النهي إلى الأزواج؛ لأنه إن عضل الزوج قبل العدة فحق لا يجوز أن ينهى عنه، وإن عضل بعد العدة فهو غير مؤثر.
والثاني: أن ما روي من سبب نزولها في معقل بن يسار في أشهر القولين أو جابر في أعفهما يوجب حمله على الأولياء دون الأزواج، وليس ينكر أن يعود الخطاب إليهم

الصفحة 35