كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

علي بنته أم كلثوم بعمر بن الخطاب ولم يشهد هذا فجواب واحد وهو أنه حضر العقد شهود لم يقل لهم: اشهدوا إذ يبعد أن يخلو من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال بروزه من حضور نفسين فصاعدًا وكذلك حال عمر مع علي عليهما السلام لا يخلو أن يحضره نفسان وإذا حضر العقد شاهدين بقصد أو اتفاق صح العقد بهما وإن لم يقل لهما اشهدا فكم يكن في الخبر دليل لأن قول الراوي: لم يشهد أي لم يقل لمن حضر اشهدوا وكيف يصح ذلك عن عمر وقد روي عنه أنا رد نكاحًا حضره رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو تقدمت فيه لرجمت فيه تأويلان:
أحدهما: يعني لو تقدمت فيه فخولفت.
والثاني: يعني لو تقدمت بالواجب وتعديت إما ليس بجائز لرجمت, وأما استدلال مالك بقوله عليه السلام: "وأعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف" ففيه جوابان:
أحدهما: أن إعلانه يكون بالشهادة وكيف يكون مكتومًا ما شهده الشهود أم كيف يكون معلنًا ما خلا من بينة وشهود.
والجواب الثاني: أن يحمل إعلانه على الاستحباب كما حصل ضرب الدف على الاستحباب دون الإيجاب لمن كان في ذلك العصر, وإن كان في عصرنا غير محمول على الاستحباب ولا على الإيجاب وأما نهيه عن نكاح السر فهو النكاح الذي لم يشهده الشهود ألا ترى أن عمر رد نكاحًا حضره رجل وامرأة وقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه.
وقال الشاعر:
وسرك ما كان عند أمري وسر الثلاثة غير الخفي
فصل:
فإذا ثبت وجوب الشهادة في النكاح وأنها شرط في صحته فلا ينعقد إلا بشاهدين ولا ينعقد بشاهد وامرأتين.
وقال أبو حنيفة: ينعقد بشاهد وامرأتين استدلالًا بقول الله تعالى:
{فَإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ} [البقرة:282] فكان على عمومه ولأنه عقد معاوضة فصح بشاهد وامرأتين كسائر العقود.
ودليلنا قوله تعالى: {وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق:2] فلما بالمرجعة بشاهدين وهي أخف حالًا من عقد النكاح كان ذلك في النكاح أولى, وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدين" فإن قيل: فإذا جمع بين المذكر والمؤنث غلب في اللفظ المذكر على المؤنث فلم يمنع جمع الشاهدين من أن يكون شاهدًا وامرأتين, قيل: وهذا وإن صح في الجمع؛ لأن المذكر والمؤنث بلفظ التثنية يمنع من

الصفحة 55