كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

الحاكم من غير توكيل الزوجين أم لا يصح إلا بتوكيلهما على قولين:
أحدهما: يصح ذلك من الحكمين بإذن الحاكم من غير توكيل الزوجين نص عليه الشافعي في كتاب الطلاق من أحكام القرآن وبه قال مالك ودليله قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النِّسَاء: 35] فكان الدليل من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه خطاب توجه إلى الحاكم فاقتضى أن يكون ما يضمنه من إنفاذ الحكمين من جهة الحاكم دون الزوجين.
والثاني: قوله: {إن يُرِيدَا إصْلاحًا} [النّسَاء: 35] راجع إلى الحكمين فدل على أن الإدارة لهما دون الزوجين.
والثالث: أن إطلاق اسم الحكمين عليهما لنفوذ الحكم جبرًا منهما كالحاكم فلم يفتقر ذلك إلى توكيل الزوجين.
وروي أنه شجر بين عقيل بن أبي طالب وبين زوجته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة خصومة تنافرا فيها وكان سببها أن فاطمة كانت ذات مال تدل بمالها على عقيل وتكثر إذكاره بمن قتل يوم بدر من أهلها فتقول له: ما فعل عتبة ما فعل الوليد وما فعل شيبة وعقيل يعرض عنها إلى أن دخل ذات يوم ضجرًا فقالت له: ما فعل عتبة والوليد وشيبة؟ فقال لها: إن دخلت النار فعلى يسارك فجمعت رحلها وبلغ ذلك عثمان فقرأ قوله تعالى: {وإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 35] فاختار من أهل عقيل: عبد الله بن عباس ومن أهل فاطمة: معاوية بن أبي سفيان وقال: عليكما أن تجمعا إن رأيتما أو تفرقا إن رأيتما.
فقال عبد الله بن عباس والله لأحرص على الفرقة بينهما.
فقال معاوية: والله لا فرقت بين شيخين من قريش فمضيا إليهما وقد اصطلحا. فدل هذا القول منهما على أن الحكمين يملكان الفرقة إن رأياها وذلك بمشهد من عثمان رضي الله تعالى عنه وقد حضره من الصحابة من حضر فلم ينكره ولأن للحاكم مدخلًا في إيقاع الفرقة بين الزوجين بالعيون والعنة وفي الإيلاء فجاز أن يملك بها تفويض ذلك إلى الحكمين.
والثاني: أنه لا يصح من الحكمين إيقاع الفرقة والخلع إلا بتوكيل الزوجين ولا يملك الحاكم الإذن لهما فيه نص عليه الشافعي في كتاب الأم والإملاء وبه قال أبو حنيفة لقول الله تعالى: {إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النِّسَاء: 35] فدل على أن المردود إلى الحكمين الإصلاح دون الفرقة.
ولما روى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيد الله السلماني قال: جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه مع كل واحد منهما قيام من الناس يعني جمعًا فتلا الآية. وبعث إلى الحكمين وقال: رويدكما حتى أعلمكما ماذا عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتكما وإن رأيتما

الصفحة 569