كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

وإنما اعتبرنا هذه الشروط الثلاثة على القولين معًا لأنهما إن كانا حاكمين فلا بد من اعتبار هذه الشروط في الحاكم وإن كانا وكيلين فقد اقترن بوكلتهما ولاية اختيار الحاكم لهما ولا يصح فيمن رد الحكم إليه نظر إلا أن يكون بهذه الصفات ألا ترى أن الحاكم لو أراد أن يرد النظر في مال يتيم إلى عبد أو فاسق لم يجز وإن جاز أن يكون وكيلًا.
وأما ما يستحب اعتباره فهو أن يكون الحكمان من أهل الزوجين لقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النِّساء: 35] ولأن الأول أخص بطلب الحظ من الأجانب ولأن الأنس بالأهل والاستجابة لهم وشرح الحال معهم أكثر من الأجانب فلهذه الأمور اخترنا أن يكون الحكمان من أهل الزوجين فإن كانا أجنبيين جاز لأنه إن جرى التحكيم مجرى الحاكم فحكم الأجنبي نافذ وإن جرى مجرى الوكالة فوكالة الأجنبي جائزة ولأنه قد لا يكون لواحد من الزوجين أهل ولا أنه كانوا حضروا ولا إن حضروا كانوا عدولاً فدعت الضرورة إلى جواز تحكيم غير الأهل.
وأما ما يختلف باختلاف القول فيهما فهو أن يكونا فقيهين من أهل الاجتهاد في الأحكام.
فإن قلنا: إنهما يجريان مجرى الحاكمين فلا بد أن يكونا من أهل الاجتهاد فإن لم يكونا من أهله لم يجز؛ لأنه حكم فلم ينفذ إلا من مجتهد. وإن قلنا: إنهما يجريان مجرى الوكيلين جاز أن يكونا من أهل الاجتهاد؛ لأن وكالة العامة جائزة فإن عدل الحاكم عن أهلها إلى أجنبيين اختار لكل واحد منهما حكمًا يثق به ويأنس إليه ولا يجوز أن يحكم عليهما عدويين للتهمة اللاحقة بهما.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَلَوْ فَوَّضَا مَعَ الخُلْعِ وَالفُرْقَةِ إِلَى الحَكَمَيْنِ الأَخْذَ لِكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ عَلى الحَكَمَيْنِ الاجْتِهَادُ فِيمَا يَرَيَانِهِ أَنَّهُ صَلَاحٌ لَهُمَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ اخْتِلَافِهِمَا».
قال في الحاوي: والكلام في هذه المسألة يشتمل على فصلين:
أحدهما: على ما يتم به ولاية الحكمين.
والثاني: ما يجوز أن يفعله الحكمان وما لا يجوز لهما فعله.
فأما الأول فيما يتم به ولاية الحكمين فهو معتبر باختلاف القولين فيهما. فإن قلنا: إنهما حكمان تمت ولايتهما بتقليد الحاكم لهما ولا يعتبر فيهما إذن الزوجين ولا رضاهما لكان لا بد للحاكم أن يعين كل واحد من الحكمين أن يكون مختصًا بأحد الزوجين فإن لم يعينه لم يجز لأن كل واحد منهما ينوب عن أحد الزوجين في استيفاء حقه من الآخر والنظر في مصلحته، ثم يرد إليهما ما رأياه صلاحًا من إصلاح أو طلاق أو خلع، فإن

الصفحة 571