كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

الشافعي من بعد وإن ابتاعه بالألف التي هي صداقها, كأنها قالت للسيد: بعني زوجي بالألف التي ضمنتها من صداقي, فللجواب عن هذه المسألة مقدمتان نذكرهما ثم نبني الجواب عليهما, إحدى المقدمتين: أن المرأة إذا ملكت زوجها بطل نكاحها, وإنما بطل؛ لأن أحكام النكاح وملك اليمين متضادة؛ لأنه كان مالكها لبعضها فصارت مالكة لرقبته, وصار مستحق الحجر عليها بالزوجية فصارت تستحق الحجر عليه بالرق, وكانت نفقتها عليه فصارت نفقته عليها وإذا تضادت أحكامها من هذه الوجوه ثبت أقوامها وانتفي أضعفها, وملك اليمين أقوى من عقد النكاح؛ لأن عقد النكاح يختص بملك البضع وملك اليمين يستوعب ملك الرقبة كلها, فلذلك ثبت ملك اليمين وبطل عقد النكاح.
والمقدمة الثانية: أن فسخ النكاح قبل الدخول إن كان من قبل الزوجة أسقط جميع صداقها, كما لو ارتدت, وإن كان من قبل الزوج لم يسقط الصداق إلا تصفه كما لو ارتد, وهو ها هنا من قبل الزوجة؛ لأنه وقع بابتياعها له, فإن قيل: الفسخ ها هنا إنما وقع بالابتياع الذي هو منهما, والفسخ إذا وقع بسبب من جهة الزوجين غلب فيه حكم الزوج دون الزوجة كالخلع, قيل: قد قال بعض أصحابنا هذا فأخطأ فيه, مذهبًا, وحجاجًا.
أما المذهب فهو أن الشافعي قد نص في هذا الموضوع على خلافه, وجعل الفسخ مضافًا إلى الزوجة في إسقاط جميع صداقها, وأما الحجاج فهو الفرق بين الواقع بين الابتياع والخلع من وجهين:
أحدهما: أن الابتياع إنما كان بين السيد والزوجة من غير أن يكون للزوج فيه صنع ولا اختيار فلم يجز أن يضاف إليه الخلع, وإنما كان بين الزوجين فجاز لاختصاص الزوج بالفرقة أن يضاف الفسخ إليه.
والثاني: أن الزوج في الخلع أزال ملكه عن البضع إلى غير مالك كالعتق الذي يزيل به المعتق ملكه عن رقبة العبد إلى غير مالك, فغلب فيه حكم الزوج دون الزوجة, والابتياع قد زال به ملك البائع وانتقل إلى المشتري فغلب فيه حكم الزوجة لانتقال الملك إليها دون الزوج.
فرع:
فإذا تقررت هاتان المقدمتان وابتاعت زوجها بالألف الذي ضمنه السيد من صداقها, لم يخل من أن يكون الزوج قد دخل بها قبل الابتياع أو لم يدخل, فإن ابتاعته بعد دخوله بها كان البيع جائزًا لابتياعها إياه من مالكه بثمن قد استحقته ذمته لاستكمالها للصداق بالدخول, فصار كابتياعها إياه بدين على سيده, وإذا صح البيع بطل النكاح؛ لما ذكرنا من أن الزوجة إذا ملكت زوجها بطل نكاحها وبرثت الزوجة من الثمن لكونه صداقًا, وبريء السيد من ضمان الصداق لكونه ثمنًا ولم يبق لها على زوجها صداق؛ لأنها قد استوفته من ضامنه, ولم يكن للسيد أن يرجع على عبده بما غرمه عنه من ضمانة؛ لأنه ضمنه في حال ملكه.

الصفحة 78