كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 9)

معلوم. قال المزني: سألت الشافعي رحمه الله عن حديث صفيه قفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها فقال: للنبي صلى الله عليه وسلم في النكاح أشياء وليست لغيره".
قال في الحاوي: إذا أعتق السيد أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها، أما إن ابتدأها بذلك أو سألته فأجابها إلى ذلك فقد عتقت، وهي بالخيار في الحالين بين أن تتزوج به أولا تتزوج. وقال أحمد بن حنبل: قد صارت له بهذا العتق زوجة من غير عقه. وقال الأوزاعي: لا تصير زوجة بالعتق ولكن تخير على أن تتزوج به بعقد مستجد.
واستدل أحمد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعتق صفية وجعل عتقها صداقها" ولم ينقل أنه عقد بعد العتق عليها ثم دخل بها. واستدل الأوزاعي بأنه لو أعتقها على معلوم من خامته أو عمل أخذت به جبراً فكذلك على التزويج.
ودليلنا: هو أن بدل العوض على نكاح في الذمة لا يصحء كما لو أعطاها ألفاً على أن تتزوج به بعد يوم لم يصح كذلك هذا. ولأن الذمة إنما ثبتت فيها الأموال والأعمال، ظ لأهوال كالقرص والسلم والأعمال كالبناء والخياطة، فأما العقود فلا يثبت في الذمة، كما لو أعطاه ثوباً على أن تبيعه داراً، أو يؤجره عبداً لم يصح، كذلك النكاح لا يثبت في الذمة بما نفذ من العتق. وفي هذا الاستدلال انفصال عما استدل به الأوزاعي: لأن قطع الخيار قبل ما يملك به استحقاق الخيار لا يصح، كما لو أسقط الشفيع خياره في أخذ الشفعة قبل البيع لم يسقط الخيار بعد البيع، وكذلك خيار المعتقة في التزويج يكون بعد العتق فلا يصح إسقاطه قبل العتق، ويدل على أحمد خصوصًا أن العتق مزيل لملك المعتق عن الرقبة والمنفعة فلم يجز أن يثبت به عقد النكاح الذي هو بعض تلك المنفعة؟ لأن ما أوجب نفي شيء استحال أن يوجب إثباته واثبات بعضه لكونهما فمدين متنافيين. فأما استدلال أحمد بحديث صفية فعنه جوابان:
أحدهما: أنه قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها فبطل استدلال به.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص في مناكحه بما ليس لغيره. قال المزني: سألت الشافعي عن حديث صفية فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها. قال الشافعي للنبي صلى الله عليه وسلم قال المزني: كأنه ذهب إلى أنه مخصوص للنبي صلى الله عليه وسلم، فاختلف أصحابنا فيما خص به في أمر صفية على أربعة أوجه:
أحدهما: أنه خص بأن صار عتقها نكاحها ولا يصير عتق غيره من أمته نكاحاً.
والثاني: أنه خص بأن وجب عليها أن تتزوج به ولا يجب على غيرها أن تتزوج بغيره.
والثالث: أنه خص بأن لم يلزمه لها صداق وغيره يلزمه الصداق.
والرابع: أنه خص بأن صارت قيمتها وان جهلت صداقاً منه ولا تكون القيمة إذا جهلت صداقاً من غيره.

الصفحة 83