كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

والرسولُ صلى الله عليه وسلم وصفَ لنا سفينةَ المجتمَعِ، وكشفَ عنْ أسبابِ سلامتِها، وحذَّر مِنْ خَرْقِ السفينةِ ومَنْ يخرِقُ السفينةَ، وحذَّر منَ النتيجةِ المُرَّةِ لغرقِ السفينةِ .. موضِّحًا بذلكَ أهميةَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ عبرَ مثالٍ يَعقلُه العالِمُ والعامّيُّ، والرجلُ والمرأةُ، والصغيرُ والكبيرُ، فتعالَوْا بنا نقرأْ هذا المثلَ النبويَّ، ونسترشدْ بالهدْيِ الربّانيِّ في تشخيصٍ بديعٍ للقائمِ على حدودِ اللهِ، والواقعِ فيها، وحُماةِ السفينة، والخارقينَ لها، يقولُ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الذي أخرجه البخاريُّ في «صحيحه» (2493) عنِ النعمانِ بن بَشيرٍ رضيَ اللهُ عنهُ: «مَثَلُ القائمِ على حدودِ اللهِ، والواقعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استَهَموا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهمْ أعلاها، وبعضُهمْ أسفلَها، فكانَ الذينَ في أسفلِها إذا استقَوْا منَ الماءِ مرُّوا على مَنْ فَوْقَهمْ، فقالوا: لوْ أنا خَرَقْنا في نصيبِنا خَرْقًا ولمْ نؤذِ مَن فوقَنا، فإنْ يتركوهمْ وما أرادوا هَلكوا جميعًا، وإنْ أخذوا على أيديهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا».
أيها المسلمُ والمسلمةُ: إنَّ منَ الأسئلةِ المهمَّةِ -تجاهَ هذا الحديثِ- سؤالًا يقولُ: هلْ أنتَ منْ حُماةِ السفينة أوْ منَ الخارقينَ فيها؟
وقبلَ أنْ تُجيبَ لا بدَّ أنْ تستيقنَ أنهُ ليسَ منْ طرفٍ ثالثٍ غيرَ هذينِ الصنفَيْنِ يتحكَّمُ في مصيرِ السفينةِ، فإمّا قيادةُ حُماةِ السفينةِ، حيثُ تكونُ سلامةُ المركبِ، وإمّا قيادةُ الخارقينَ لها، حيثُ يكونُ الغرقُ، ومنْ هنا فلا مجالَ للصمتِ والسلبيةِ في وقتٍ يتحركُ فيهِ الخارقونَ للسفينةِ وينشطونَ لإفسادِها .. وإن زَعموا الإصلاحَ أو ظنوا -خطًا- أنهمْ يريدونَ الإنقاذَ!
إنَّ المتأملَ في أيِّ مجتمعٍ منَ المجتمعاتِ لا يَراهُ يخرجُ عنْ إحدى حالاتٍ ثلاثٍ: فإمّا أن ينتشرَ المعروفُ ويَكثرَ المصلِحونَ، وإمّا أنْ يشيعَ المنكَرُ ويتطاولَ المبطِلونَ، وإمّا أنْ يكونَ دُولةٍ بين الأخيارِ والأشرارِ، ويشيعَ فيهِ المعروفُ والمنكرُ على حدٍّ سواء.

الصفحة 229