كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

وينهَوْنَ عنِ المنكرِ .. ومنافقونَ ومنافقاتٌ يأمرونَ بالمنكرِ وينهَوْنَ عنِ المعروفِ، وفضلُ اللهِ يؤتيهِ مَنْ يشاءُ، فمنهمْ مفتاحٌ للخيرِ مغلاقٌ للشرِّ، وآخرونَ مغاليقُ للخيرِ مفاتيحُ للشرِّ، يَضعفُ إيمانُهمْ باللهِ ويستبعِدونَ الجزاءَ في اليومِ الآخرِ، فتنتكسُ فِطرُهمْ، ويزعمونَ أنهمْ مصلحونَ، وهمْ مفسدونَ، ويَسحبونَ أنهمْ يُحسنونَ صُنعًا، وهمْ يَجنُونَ على أنفسِهمْ وعلى مجتمعِهمْ شرورًا وفِتَنًا، والمنافقونَ بلا ريبٍ ممنْ يخرقُ السفينةَ ويُغرِقُ أهلَها، على أننا حينَ نستقرأُ الواقعَ نجدُ أصنافًا أخرى غيرَ هؤلاءِ المنافقينَ يُسهمونَ في خرقِ السفينةِ .. ولذا لا بدَّ أنْ نفتِّشَ عنْ مَنْ يخرقونَ السفينةَ، ونحدِّدَ ملامحَهمْ ونُحذِّرَ مِن صنيعِهم، ومِنْ هؤلاءِ:
1 - المُتَّبعونَ للشهواتِ الغارقونَ في الملذَّاتِ سواءٍ صحَّ طريقُها أوْ لمْ يصحَّ، وسواء كانتْ شهواتٍ مباحةً أوْ محرَّمةً، أولئكَ يُنقِّبونَ في السفينةِ، ولوْ مالتْ بأهلِها مَيْلًا عظيمًا، وصدقَ اللهُ: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} (¬1).
2 - البطَّالونَ الضائعونَ، الذينَ لا يريدونَ أنْ يَبذلوا جُهدًا لمدافعةِ الشرِّ أو يَدفعوا مالًا لنصرةِ الحقِّ، بلْ ربَّما سرقوا مالًا، أوْ روَّجوا مُخدِّرًا، أوِ ارتكبوا محظوراتٍ أخرى، فأولئكَ كذلكَ يَخرِقون في السفينةِ ولا يُصلِحونها.
3 - أهلُ الغرورِ والكبرياءِ الذينَ يرَوْن الرشدَ بعقولِهمْ وحدَهمْ دونَ أنْ يَلتفتوا إلى عقولِ الآخرينَ، بلْ ربَّما حَكَموا على عقولِ غيرِهم قبلَ أنْ يَعلموها، وربما صادروا آراءَ الآخرينَ قبلَ أنْ يَستبينوها، وقدْ عابَ القرآنُ على فرعونَ مقولتهَ: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (¬2)، وما نفعه الوعي حين جاء
¬_________
(¬1) سورة النساء، الآية: 27.
(¬2) سورة غافر، الآية: 29.

الصفحة 231