كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

الغرق {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬1)، قال اللهُ له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (¬2).
4 - ويخرقُ السفينةَ عالِمِونَ آكلونَ بعِلْمهمْ، مستفيدونَ لأنفسِهمْ، مضلِّلونَ لأمتهم، يَنسلخونَ منَ العلمِ، ويتخلَّونَ عنْ نُصحِ الخَلْق، إنهمْ لا يَجهلونَ لكنْ يتجاهلونَ، وهمْ لا يُخدعونَ لكنهمْ يَخدَعُونَ، يعرفونَ الحقَّ ولا يَدعُونَ إليهِ، ويعرفونَ المنكرَ ولا يستنكرونهُ .. أولئك خَرْقُهمْ في السفينةِ عظيمٌ، وفتنُتهمْ للناسِ كبيرةٌ، ونماذجُهمْ في الأممِ السالفةِ:
{إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (¬3) {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬4).
وتتكرَّرُ هذهِ النماذجُ في أمّةِ الإسلام، ويكونُ أحدَ الثلاثةِ الذينَ همْ أولُ مَنْ تسعَّرُ بهمُ النارُ يومَ القيامة رجلٌ جَمَعَ القرآنَ، فيقولُ اللهُ لهُ يومَ القيامةِ: ألمْ أعلِّمْكَ ما أنزلتُ على رسولي؟ فيقولُ: بلى يا ربِّ، قال: فماذا عَمِلتَ فيما عَلِمتَ؟ قالَ: كنتُ أقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فيقولُ اللهُ له: كذَبتَ، وتقولُ
¬_________
(¬1) سورة يونس، الآية: 90.
(¬2) سورة يونس، الآيتان: 91، 92.
(¬3) سورة التوبة، الآية: 34.
(¬4) سورة الأعراف، الآيتان: 175، 176.

الصفحة 232