كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، نصرَ عبدَهُ، وأعزَّ جندَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، كلَّ يومٍ هوَ في شأنٍ، وله الحُكمُ وإليهِ تُرجَعونَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه، قامَ في ذاتِ اللهِ، وبلَّغَ رسالةَ ربِّهِ، ونصحَ للأمّةِ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادهِ .. صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلينَ.
إخوةَ الإيمانِ:
5 - ويخرقُ السفينةَ أنانيُّونَ لا يَشعرونَ إلا بأنفسِهم، ولا يُفكِّرونَ إلا بذواتِهمْ، وإن لاحتْ لهمْ بوادرُ الخَطَرِ لا يهمُّهمْ صلاحُ المجتمعِ أو فسادُهُ، ولا تتمعَّرُ وجوهُهمْ للمنكَراتِ تشيعُ هنا وهناكَ، دائرةُ تفكيرِهمْ ضيقةٌ، ومساحةُ الغيرةِ عندَهمْ محدودةٌ.
6 - ويُسهمُ في خَرْقِ السفينةِ سطحيُّونَ لا يُدرِكونَ حجْمَ الخطرِ، ولا يتصوَّرونَ ضخامةَ المصيبةِ النازلةِ، ولا يَنظرونَ إلى مستقبلِ الأيامِ بعمقٍ وروّيةٍ، لا يَسمعونَ للنداءاتِ المحذِّرةِ، وإنْ سَمعوا لمْ يَستجيبوا، إذا علا صوتُ النذيرِ رأَوْه مبالِغًا، وإذا اتضحَ هدفُ المفسِدينَ لم يُحرِّكوا ساكنًا ولمْ يدفعوا باطلًا.
7 - ويخرقُ السفينةَ أحمقُ متهوِّرٌ يريدُ أنْ ينتقمَ لنفسِه أوْ ينتقمَ منَ الآخرينَ، فيحاولُ بكلِّ وسيلةٍ إغراقَ أهلِ المركبةِ، وإنْ كانَ هوَ ضمنَ قائمةِ الغرقى، وتضيقُ بهِ مساربُ الحياةِ فيختارُ تحطيمَ نفسِهِ والآخرينَ معهُ.
8 - ويُسهمُ في غرقِ السفينةِ متعجِّلٌ -وإنْ كانَ هدفهُ خيرًا- وغيرُ حكيمٍ-وإنْ كانَ قصدُه حسنًا-، فقدْ يقودُه اجتهادُهُ إلى نزعِ خشبةٍ في السفينةِ ليسدَّ بها خرقًا آخرَ، فإذا الخرقُ الذي أحدثَ أشدُّ ضررًا وأدعى للغرقِ! وفاتَه أنْ يستشيرَ غيرَهُ قبلَ أن يُحدثَ الضررَ الذي أحدثَ.

الصفحة 234