كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

أيها المسلمونَ: أمّا حماةُ السفينةِ .. ومَنْ يقفُ في وجهِ هؤلاءِ الخارقينَ: فهمُ الآمرونَ بالمعروفِ والناهونَ عنِ المنكرِ، الذينَ يُتعِبونَ أنفسَهمْ منْ أجلِ أنْ يستمتعَ ويستريحَ غيرُهمُ، الذينَ يَسهرونَ منْ أجلِ أنْ يطمئنَّ غيرُهمْ، والذينَ يُخاطِرونَ بأنفسِهمْ من أجلِ أنْ يأمَنَ غيرُهمْ، بلْ مِنْ هؤلاءِ الحُماةِ المنقذينَ للسفينةِ ومَنْ عليها مَنْ قدْ لا يُجد لسدِّ خرقِ السفينةِ إلا رِجْلَه أو يدَهُ، تنهشُه الأسماكُ، وتُزعجُهُ دوابُّ البحرِ، ومَعَ ذلكَ لا يتحرّكُ حرصًا على سلامة الآخرينَ، وهؤلاءِ الناصحونَ المرابطونَ قدْ يسخرُ منهمْ بعضُ الجُهّالِ في المركبِ، لطولِ وقوفِهمْ على خُروقِ السفينةِ وعظيمِ تضحيتهمْ، بلْ قدْ يؤذيهمْ خارقو السفينةِ، وقدْ يشوِّهونَ سمعتَهمْ ويشكِّكونَ في مصداقيةِ حراستهِمْ للسفينةِ .. وما يضيرُهمْ إذا كانَ اللهُ معهمْ، يعلمُ قصدَهمْ، وهو المطَّلعُ على حُسنِ نواياهمْ، والمقدِّرُ لجهدِهمْ وجهادِهمْ.
إنَّ هؤلاءِ المنقذينَ أصنافٌ كثيرةٌ، منهمُ الرجالُ والنساءُ، ومنهمُ العلماءُ والعوامُّ، ومنهمُ الدعاةُ وطلبةُ العلمِ، فيهمُ الأغنياءُ والفقراءُ، وفيهمُ المجاهدُ بنفسِهِ ومالِه ومَنْ لا يملكُ إلا الدعاءَ، منهمْ من يعملُ بنفسِه، ومنهمْ مَنْ لا يملكُ إلا المشورةَ والرأيَ، منهمْ مَنْ يتصدَّى لمنْ يخرقُ السفينةَ، ومنهمْ مَنْ يرصدُ ويكشفُ عوراتِ هؤلاءِ الخارقينَ، ومِنَ المنقذينَ للسفينةِ: أصحابُ الغيرةِ على المحارمِ، وإنْ لمْ يكونوا ملتزمينَ بأحكامِ الإسلامِ كلِّها، وأصحابُ العقول المقدِّرةِ لعواقبِ الأمورِ، وإنْ كانوا ظالمينَ لأنفسِهمْ مسبوقينَ في عملِ الصالحاتِ، ففَرْقٌ بينَ من يأتي المنكرَ وهوَ له كارهٌ، ويودُّ ألاّ يقعَ غيرُه فيما وقعَ هوَ فيهِ، وبينَ مَن يُقدِمُ على المنكرِ كما لو أقدمَ على معروفِ، بلْ يودُّ أنْ يكونَ هذا المنكرُ سلوكًا شائعًا في المجتمعِ كلِّه، نَعَمْ فرقٌ بين الانتهاكاتِ السلوكيةِ، والانتهاكاتِ القِيَميةِ.

الصفحة 235