كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

الإجابةِ، فسبقَهما قائلًا: كأنكما تريدانِ السفرَ إلى بلادِ كذا .. حيثُ تشيعُ الفاحشةُ، وتنتشرُ الرذيلةُ، وتوضعُ المصائدُ للشبابِ؟ وإني لكما ناصحٌ وعليكما مشفقٌ، إلاَّ راجعُتما أنفسَكما واستخرتُما اللهَ عنْ هذا السفرِ، فهل تعتقدانَ أنَّ اللهَ غافلٌ عنكما أينما كنتما؟ وما رأيُكما لوْ وافتْكما المنيةُ على حالٍ لا ترضَوْن أنْ تكونَ خاتمةً لحياتِكما؟ أليسَ واردًا أنْ تذهبا أحياءً وتعودا في التوابيتِ أمواتًا؟ ما حجمُ فضيحتِكمْ في الدنيا؟ وكيفَ بكمْ إذا قدمتُما على اللهِ تحملانِ أوزاركما على ظهورِكما يومَ القيامةِ؟
وما زالَ الناصحُ يقرعُ أسماعَهما بالحديثِ ويضربُ لهما الأمثالَ .. حتى التفتَ أحدُهما إلى صاحبهِ قائلًا: ما رأيُك في إلغاءِ السفرِ؟ فتردَّدَ الآخرُ ثمَّ وافقَهُ على إلغاءِ السفرِ .. أما الناصحُ لهما فقدْ تشجَّعَ .. رغمَ أنَّ وقتَ سفرِه قريبٌ، فما كانَ منهُ إلا أنْ ذهبَ بهما إلى صديقٍ لهُ صالحٍ، وأوصاهُ فيهما خيرًا، فاستقبلَهما صاحبُه وأكرمَ ضيافَتهما، ثمَّ عرضَ عليهما أنْ يذهبوا سويًا للطائفِ للمتعةِ والأنُسِ جميعًا، فوافقا، ثمَّ قالَ لهما: وما رأيُكما لو أخذْنا عُمرةً في طريقِ ذهابِنا؟ فوافقا .. وكانَ الوقتُ ليلًا، قالَ: إذًا فاستريحا حتى إذا كانَ الصباحُ تحرَّكْنا .. فتركَهما الضيفُ في مجلسِهِ وذهبَ إلى غرفةِ نومهِ، ولكنَّ الشابين استطالا الليلَ، وربما عاودَهما الشيطانُ بنزغِهِ، فخرجا منَ البيتِ وقرعا الجرسَ في ساعةٍ متأخِّرةٍ منَ الليلِ، ليستأذنا مُضيفَهما في الانصرافِ، وحينَ استيقظَ وسمعَ كلامَهما، قال: ما رأيكما أنْ نبدأَ الرحلةَ الآنَ؟ فوافقا، فأحرمَ الثلاثةُ كلُّهمْ ولبَّوا بالعمرةِ مخلصينَ للهِ، وكانتْ آخرُ كلماتِهم: لبَّيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبَّيكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والمُلكَ، لا شريكَ لكَ لبَّيكَ .. ويا لها منْ كلماتٍ لو تأمَّلهَا المُحرِمونَ .. وكانتِ المنيةُ تنتظرُهمْ وهمْ مُحرمونَ، وعلى بضعِ كيلوات وقعَ الحادثُ وتوفيَ الثلاثةُ قبلَ وصولِهمْ

الصفحة 237