كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

الضربةِ الأولى: «الله أكبرُ، أُعطيتُ مفاتيحَ الشامِ، واللهِ إني لأبصرُ قصورَها الحمراءَ الساعةَ»، ثم ضربها الثانيةَ فقال: «اللهُ أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ فارسَ، واللهِ إني لأبصرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ» ثم ضرب الثالثةَ وقال: «اللهُ أكبرُ، أُعطِيتُ مفاتيحَ اليمن، واللهِ إني لأبصرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذه الساعةَ» الحديث رواه أحمدُ والنَّسائيُّ بإسنادٍ حسن كما قال ابنُ حجر في الفتح 15/ 280 .. وغيرهما.
اللهُ أكبر، كم بينَ مشاعرِ المسلمين في هذه اللحظةِ الشديدةِ التي عبَّر عنها بعضُ المنافقين بقوله: كيف يَعِدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم كنوزَ كسرى وقيصرَ وأحدُنا لا يستطيعُ أن يقضيَ حاجتَه (¬1).
وكَشَفَهم القرآنُ الكريمُ بقوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا} (¬2).
أقولُ: كم بينَ هذه المشاعرِ اليائسةِ من قِبَل المنافقين، والمُزلزَلَةِ من قِبَل المؤمنين، وبين بُشرى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من مسافةٍ، وصَدَقتِ البشرى، وكانت تلك الكلماتُ منه صلى الله عليه وسلم دلائلَ نبوةٍ وبشرى، ووعدًا صادقًا بفَتْح المسلمين مستقبَلًا لهذِه البلاد، ودينونةِ أهلِها بالإسلام، بل وانسياحِ الإسلامِ فيما وراءَها من بلادٍ وأُممٍ كانت تعيشُ الظُّلمَ والظلامَ، فانقلبتْ بعد الإسلامِ تتفيَّءُ نورَ الإسلام، وتتقلَّبُ في العدلِ والأمان.
إخوةَ الإيمان: لكنَّ هذه الفتوحَ لم تُهدَ المسلمين على أطباقٍ من الدَّعَةِ والاسترخاء، وإنما تمَّتْ بعد بذلِ الأرواحِ والُمهَج، وإنفاقِ الغالي والنفيس،
¬_________
(¬1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/ 147.
(¬2) سورة الأحزاب، الآية: 12.

الصفحة 240