كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 9)

على أن يَدخُلوها، وبنَوْا فيها مسجدًا، وذلك المسجدُ باقٍ إلى اليوم (¬1).
وكذلك يُعلِّمُنا التاريخُ أن اللاحقَ من المسلمين يُكمِلُ ما بدأَه السابقُ ومن لم يُقدَّرْ له الفتحُ والنصرُ على الأعداءِ في حينِه فحَسْبُه الأجرُ على ما قدَّمَ لنفسِه وهيَّأَه لمن يأتي بعدَه.
ذلكُم -معاشرَ المسلمين- فصلٌ من فصولِ ملاحمِنا مع الرومِ النصارى، وتلك نماذجُ لهِمَمِ رِجالِنا ونسائنا، وتلك دروسٌ في علاقاتِنا مع الأُمم من حولِنا. إنها ليست صفحاتٍ مطويَّةً في غابرِ الزمن، بل هي رصيدٌ وتجربةٌ علينا أن نُفِيد منها، ونستفيدَ من عِبَرِها، ونحن أُمةٌ لها تاريخٌ مجيدٌ لا يكفي أن نفتخرَ به، بل لا بدَّ من تجديدِ ما اندثرَ، وإحياءِ ما ذَبُلَ، والتذكيرِ بما نُسي، ومن تذكَّر فإنما يتذكَّرُ لنفسه، وفي محكمِ التنزيل: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (¬2).
أيها الناسُ: وفي زمنِ الامتحاناتِ -كهذه الأيام- حريٌ بنا أن نَذْكرَ ونَتذكَّرَ قيمةَ العلمِ، وقيمة السلوكِ، وعلى المُربِّين والمعلِّمين ألا يجعلوا الامتحانَ هدفًا بذاتِه، بل هو وسيلةٌ يمكنُ من خلالِها أن يربَّي الطلابُ والطالباتُ على مزيدِ الثقة والطمأنينةِ والأمانةِ والجديّةِ، وحريٌ بالآباء أن يُسهِموا في تحصيل أبنائهم وتوفيرِ الأجواءِ المناسبةِ والصالحةِ لاستذكارهم، وأن يَحذَرُوا -وهنا وقفةٌ مهمَّة- أن يَحذَروا من لصوصِ الامتحانات .. فثَمَّةَ نوعيةٌ من آحادِ الشباب تُصطادُ في مثلِ هذه الظروف، بدايةً بإهداءِ الحبوب المساعدةِ على السهر،
¬_________
(¬1) الفتاوى 18/ 352.
(¬2) سورة الحج، الآية: 46.

الصفحة 248