كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

أذنه ويلبس الأخرى، ومعى صاحب يعرف لسانهم، فقالوا له: جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس؟ قال: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي علىّ، ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن، فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت، فأدخلونا سربا لهم، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك ويطرحونه في الشمس فينضج لهم. وقيل: الستر اللباس. وعن مجاهد: من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض.
(كَذلِكَ) أي: أمر ذي القرنين كذلك، أي كما وصفناه تعظيما لأمره (وَقَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((كَذَلِكَ)، أي: أمر ذي القرنين كذلك)، اعلم أن "كذلك" إما: خبرُ مبتدأ محذوف، أو: صفة لموصوف مذكور، أو: صفة مصدر محذوف، فعلى الأول المشار إليه بذلك جميعُ ما سبق من أمر ذي القرنين، وفيه تفخيم للفذلكة بعد التفصيل؛ ولهذا قال: "تعظيماً لأمره"، وقوله: (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً)، الجملة تكميلٌ؛ لأنه أردف التعظيم التكثير، كأنه قيل: أمرُ ذي القرنين كما وصفنا، وله أسبابٌ عدة غير ما ذُكر، لا يحيط بها علمُ أحد غير الله تعالى لقوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ) بالمدثر: 31]، (وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [الجن: 28].
وعلى الثاني: إما هو صفة لقوله: (سِتْراً)، وإليه الإشارة بقوله: "ستراً مثل ذلك الستر"، وليس بذلك؛ لأن قوله: (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً) لا يحسن التئامه على هذا؛ أو صفة لـ "قوم"، والمشار إليه بذلك أحوال القوم المار ذكرهم عند قوله: (وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا) إلى آخره، ويحسن التئام قوله: (وَقَدْ أَحَطْنَا)، أي: أحطنا بما لديه خبراً من التخبير والاختيار والدعوة والإحسان.
وعلى الثالث: المشار إليه ما سبق من البلوغ في قوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ)، وإليه الإشارة بقوله: (بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ)، كما بلغ مغربها، ومعنى (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ) على هذين التفسيرين: تتميم ومبالغة.

الصفحة 544