كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

عُمْيٌ) [البقرة: 18]، (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) يعنى: وكانوا صما عنه، إلا أنه أبلغ؛ لأنّ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به، وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع.
[(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً)].
(عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) هم الملائكة، يعنى: أنهم لا يكونون لهم أولياء، كما حكي عنهم: (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ: 41]، وقرأ ابن مسعود: (أفظن الذين كفروا)، وقراءة على رضي الله عنه: (أفحسب الذين كفروا) أي: أفكافيهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء، على الابتداء والخبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأُطلق المسبب وأريد السبب، وكذلك الباصرة لا تُستعمل في الذكر إذا أريد به القرآن، بل تستعمل فيه البصيرة؛ ولذلك قال: "وتأمل معانيه وتبصرها"، فقوله: (بُكْم) مناسبٌ للتفسير الأول، و (عُمْيٌ) للثاني.
قوله: (كما حكى عنهم: (سُبْحَانَكَ) [سبأ: 41])، وجه المشابهة بين الآيتين هو أن قوله: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ) إنكارٌ لحسبانهم فيما عبدوا الملائكة، جعلوها شفعاء لأنفسهم، وأنهم يوالونهم عند الحقيقة، وأن هذا الإنكار واقعٌ عند الحشر، لقوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً) إلى قوله: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، كما أن قوله: (سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ) [سبأ: 41] تخييبٌ من الملائكة فيما زعم الكفارُ أنهم ينصرونهم ويشفعون لهم بعد الحشر، لقوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ: 40].

الصفحة 552