كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لأغراضهم وأمانيهم، وهذه غاية الوصف؛ لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم كان فهو طامح الطرف إلى أرفع منه، ويجوز أن يراد نفى التحوّل وتأكيد الخلود.
[(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)].
المداد: اسم ما تمد به الدواة من الحبر وما يمد به السراج من السليط. ويقال: السماء مداد الأرض. والمعنى: لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وكان البحر مدادا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لو كُتِبَ) يعني: لو فُرضَ كتبتُها كما تُفرضُ المحالاتُ لابد لهذا المفروض من النفاد، مع هذا ينفدُ حبسُ البحر قبل نفادها.
قوله: (كلماتُ علم الله وحكمته) يُشعرُ بأن الكلمات في قوله تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) [الكهف: 27] أخصُّ منها؛ لأن المراد بها كلمات ما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن المجيد، ومن اطلع على أسرار النظم، عرف موجب ذلك. والإضافة في قول المصنف: "كلمات علم الله تعالى"، تؤذن بأنها غير متناهية، ولفظة (قبلَ) توهم أن لها أيضاً نفاداً.
قال الإمام: تمسكت المعتزلة بها، أن كلام الله محدث، بأن ما ثبت عدمه امتنع قدمه. وأجاب: أن ذلك راجعٌ إلى الألفاظ والحروف، والجواب غير مُرضي؛ لأن التمثيل بالبحر يأباه، ولأن هذه الآية مما ساتدلوا بها على قدمها، فكيف يلتزم حدوثها؟ ألا ترى كيف استشهد بها صاحب "شرح السُّنة" في باب الرد على من قال بخلق القرآن، ووجهه أنها واردةٌ على التنزلات الربانية، حيث نزل غير المتناهي منزلة المتناهي فرضاً وتقديراً، تفهيماً للعباد وتقريباص لهم، وهو من التمثيل الذي يفرضُ الممثل به فرضاصح مُثلت حالةُ الكلمات التامات في سعتها وفرطِ كثرتها بحالة ما لو فُرضَ البحرُ مداداً له لنفد قبله، ثم أدخله الممثل

الصفحة 555