كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...
وأما سؤال صاحب "المفتاح" فواردٌ على الوجوه المذكورة في (يَرِثُنِي) كلها؛ لأن قوله: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً) مرتبٌ بالفاء على الدعاء، وهو: (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) إلى قوله: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي)، وهو وصفٌ مناسبٌ لطلب ولدٍ شأنه أن يرث بعده.
ويؤيده ما أورده محيي السنة في "المعالم": أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما شاهد من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء، فسأل ربه ولداً صالحاً يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين، وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس. وروى قريباً منه المصنف.
على أن الاستئناف أيضاً رابطٌ معنوي، سيما أنه في هذا المقام واردٌ لبيان الموجب، قال المصنف في أول "البقرة": "إن الكلام المبتدأ عقيب "المتقين" سبيله الاستئناف، وإنه مبنيٌّ على تقدير سؤال، فذلك إدراجٌ له في حكم "المتقين"، وتابعٌ له في المعنى، وإن كان مبتدأ في اللفظ، فهو في الحقيقة كالجاري عليه".
والجواب الصحيح: أن الأنبياء وإن كانوا مستجابي الدعوة لكن ليس كل ما دعوه استجيب لهم؛ لأن قضاء الله لا يُدفع، ألا ترى إلى إبراهيم عليه السلام ودعائه في حق أبيه، وإلى دعوة نبينا صلوات الله عليه على ما رويناه عن الترمذي والنسائي، عن الخباب بن الأرت، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها؟ قال: "أجل، إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألتُ الله فيها ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألته أن لا يُهلك أمتي بسنةٍ فأعطانيها، وسألته أن لا يُسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يُذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها". وفي رواية

الصفحة 570