كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...
على ما قبله على سبيل التشبيه، بخلاف ما إذا كان مرفوعاً، فإن الجملة حينئذ للتقرير، وعليه كلامُ صاحب "التقريب": الكافُ إما رفعٌ، وذلك إشارةٌ إلى قول زكريا أي: الأمر كذلك تصديقاً له. ثم ابتدأ (قَالَ رَبُّكَ) فينتصب (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، و"كذا" وهو على قراءة "الواو" بـ (قَالَ)؛ أي: قال: وهو على ذلك يهون علي، وإما نصب بـ (قَالَ) وذلك مبهمٌ تفسيره (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، فعلى قراءة الواو لا يكون تفسيراً لوجود العاطف، فالوجه أن يُشار بذلك إلى ما تقدم من وعد الله حتى لا يحتاج إلى تفسير، أي: قال قولاً مثل ذلك الوعد، فحينئذ يبقى (عَلَيَّ هَيِّنٌ) بالواو وبدونها غير منصوب بـ (قالَ) المُظهر، لاشتغاله بما قبله، فيُضمر "قال" على كلتا القراءتين لينصبه، أو لا يضمر؛ لأن الله هو المخاطب.
وقلت: تمام تقريره أن المشار إليه بقوله: (ذَلِكَ) إما الكلام السابق وهو قول زكريا: (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ... ) إلى آخره، أو اللاحق، وهو قول: (عَلَيَّ هَيِّنٌ)، فعلى الأول، (كَذَلِكِ): خبر مبتدأٍ محذوف، إذ التقدير: الأمرُ كما قلت، فتكون الجملة الثانية على تقدير جواب عن سؤال سائل: فماذا قال الله تعالى بعد تصديقه إياه؟ فأجيب: قال ربك- يا محمد-: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً). وعلى الثاني: المشار إليه ما في الذهن، والدال عليه قوله: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ).
وهذا إنما يصح على القراءة الأولى لا على إثبات الواو، لوجود العاطف، فحينئذ الواجب أن يستنبط وجه يشملهما، وهو أن يقال على تقدير النصب: إن المشار إليه ما تقدم من وعد الله، فلا يكون المقول مبهماً لما عُلم أنه قولٌ مثل ذلك الوعد في الغرابة، وهو المراد من قوله: "لاشتغاله بما قبله"، فكأنه قيل: قال الله قولاً مثل ذلك لقول العجيب الشأن، وهو: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ ... ) إلى آخره، فاتجه لسائل ان يقول: ما ذلك القول

الصفحة 578