كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...
المُشبه بعينه؟ فقيل: قال: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أو قال: أفعل ذلك، و (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، وهو المعنى بقوله: "أي: قال: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) ".
ويجوز أن لا يُقدرَ "قال"، إذ لا ارتياب أن المتكلم هو الله تعالى في الحقيقة، فإذا اعتبر معنى التجريد في "قال" الثاني يقدر ثالث يحكي قول الله تعالى، فتقول: قال الله تعالى- يا محمدُ - لزكريا قولاً مثل ذلك القول، فيتجه له أن يقول: ما ذلك القول الذي قال ربي؟ فيجيبه: قال: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، وإذا لم يعتبر معنى التجريد، يُقدرُ: قال الله تعالى لمحمدٍ قلت لزكريا قولاً مثل ذلك القول: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، فلا يقدر سؤال ولا "قال" ثالثاً.
و"قوله الحق" تذييل، كقولهم: فلانٌ ينطق بالحق والحق أبلج، وحاصله: أن المشار إليه بـ "ذلك" إما قول زكريا أو ما في الذهن أو وعد الله تعالى، فعلى الأول: والكاف مرفوع خبر مبتدأ محذوف، والجملة مقول القول، و"قال" الثاني استئناف، فتكون الجملة الثانية على هذا التقرير جواباً عن سؤال مقدر، وهو: فماذا قال الله تعالى بعد تصديقه إياه؟ فأجيب: قال ربك: هو علي هين، أو: قال: أفعل ذلك وهو علي هين، وعلى الوجهين الأخيرين: الكاف صفة مصدر محذوف، والعامل "قال" الثاني: وهو مع ما في حيزه مقول لـ"قال" الأول، فعلى أن يكون المشار إليه ما في الذهن قوله: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) تفسير للمشار المبهم في الذهن، فلا يجوز إثبات الواو بين المفسر والمفسر، وعلى أن يكون المشار إليه الوعد يجوز أن يُقدر "قال" بعد "قال" الثانية، ليكون قوله: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) قولاً له بإثبات الواو وإسقاطه، فالتقدير أنه تعالى لما قال قولاً قبل ذلك القول المبشر به اتجه لسائل أن يقول: ما مثل ذلك المبشر به؟ فأجيب: مثله: قال هو علي هين، أو أفعل ذلك وهو علي هين، ويجوز أن لا يقدر "قال" لأن المتكلم لما كان هو الله تعالى جاز أن لا يقدر، لما سبق أن "قال" الثانية مع قولها مقول القول الأول، فالمعنى قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: قلت لزكريا قولاً مثل ذلك القول هو علي هين، أو هو علي هين، فوضع "ربك" موضع ضمير المتكلم إشعاراً بالعلية، وأن كل ما يقوله الرب يكون حقاً ووعده صدقاً.

الصفحة 579