كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

أي: اجعل لي علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به. قال: علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه، وأنت سليم الجوارح سوىّ الخلق، ما بك خرس ولا بكم. دل ذكر الليالي هنا، والأيام في آل عمران، على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن.
[(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)].
أوحى: أشار. عن مجاهد، ويشهد له (إِلَّا رَمْزاً) [آل عمران: 4]. وعن ابن عباس: كتب لهم على الأرض (سَبِّحُوا): صلوا، أو على الظاهر، و (أن): هي المفسرة.
[(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)].
أي: خذ التوراة بحد واستظهار بالتوفيق والتأييد. (الْحُكْمَ) الحكمة. ومنه:
واحكم كحكم فتاة الحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أوحى: أشار)، الراغب: الوحيُ: الإشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل: أمرٌ وحي، وذلك يكونُ بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد، إشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حُمل على ذلك قوله تعالى: (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) فقد قيل: رمز، وقيل: أشار، وقيل: كتب. وعلى الوجوه المذكورة في قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام: 112].
قوله: (واحكم كحكم فتاة الحي) تمامه:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثمد
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد

الصفحة 582