كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

[(وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا)].
(حَناناً): رحمة لأبويه وغيرهما، وتعطفا وشفقة. أنشد سيبويه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الإمام: ويحتملُ كتاباً خُص به، كما خص الله تعالى الكثير من الأنبياء بذلك، والأول أوجه؛ لأن حمل التعريف على المعهود السابق أولى، ولا معهود سوى التوراة.
وقلتُ: يحمل على العهد الذهني لقرائن الأحوال، كقول عيسى: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) والكتاب هو الإنجيل.
قوله: ("حناناً" رحمةً لأبويه)، وهو مصدرٌ بمعنى الاسم، أي: التحنن، بدليل قوله: "وتعطفاً". قال الراغب: الحنين: النزاعُ المتضمن للإشفاق، يقال: حنت المرأة والناقة لولدها، وقد يكون مع ذلك صوت، ولذلك يُعبرُ بالحنين عن الصوت الدال على النزاع والشفقة، أو متصور بصورتهن على ذلك حنين الجذع، ولما كان الحنين متضمناً للإشفاق، والإشفاق لا ينفك عن الرحمة، عبر عن الرحمة به في نحو قوله تعالى: (وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا)، ومنه قيل: الحنان المنان، وحنانيك: إشفاقُ بعد إشفاق.
وقال أبو البقاء: (وَحَنَانَاً): معطوفٌ على الحكم، أي: وهبنا له تحنناً. وقيل: هو مصدرٌ، وقوله: (وَبَرّاً)، أي: وجعلناه براً، وقيل: براً: معطوفٌ على خبر "كان".
وقلت: وسلامٌ: معطوفٌ من حيث المعنى على (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ)، كأنه قيل وآتيناه الحكم صبياً وجعلناه براً لوالديه وسلمناه في تلك المواطن المُوحشة، فعدل إلى

الصفحة 584