كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 9)

[(وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)].
سلم الله عليه في هذه الأحوال، قال ابن عيينة: إنها أوحش المواطن.
[(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)].
(إِذِ) بدل من (مَرْيَمَ) بدل الاشتمال؛ لأنّ الأحيان مشتملة على ما فيها. وفيه أنّ المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا؛ لوقوع هذه القصة العجيبة فيه. والانتباذ: الاعتزال والانفراد، تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس، أو من دارها معتزلة عن الناس. وقيل: قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض محتجبة بحائط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكرُ وقتها)، أي: في الإبدال إشارةٌ إلى أن المقصود الأولى في هذا المقام استحضارُ ذلك الوقت الذي حدثت تلك الحادثة الغريبة فيه في ذهن السامع ومشاهدته ليتعجب منه، وكذلك فعل في قصة زكريا عليه السلام في قوله: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ).
قوله: (والانتباذُ: الاعتزالُ والانفراد)، الراغب: انتبذ فلانٌ: اعتزل اعتزال من تقلُّ مبالاته بنفسه فيما بين الناس، والنبذ: إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به، ولذلك يُقال: نبذته نبذ النعل الخلق، قال تعالى: (كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) [الهمزة: 4]، (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) [آل عمران: 187] لقلة اعتدادهم به، وصبيٌّ منبوذٌ ونبيذٌ، كقولك: لقيطٌ وملقوط، لكن يُقال: منبوذٌ باعتبار من طرحه، وملقوطٌ باعتبار من تناوله.
قوله: (أو من دارها)، عطفٌ على "مما يلي" بأن يُقدر: مما يلي شرقي دارها، أي: مكاناً من الذي يقربُ شرقي بيت المقدس أو بقرب شرقي دارها.
قوله: (في مشرقةٍ)، أي: موضع القعود لإشراق الشمس. الأساس: قعدوا في المشرقة وتشرقوا.

الصفحة 586